" صفحة رقم ٢٢٢ "
) لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ ).
حال من الكتاب أو خبر أول أو ثان على ما مر قريباً. والريب الشك وأصل الريب القلق واضطراب النفس، وريبُ الزماننِ وريبُ المنون نوائِب ذلك، قال الله تعالى :( تتربص به ريب المنون ( ( الطور : ٣٠ ) ولما كان الشك يلزمه اضطراب النفس وقلقها غلب عليه الريب فصار حقيقة عرفية يقال رابه الشيء إذا شككه أي بِجَعللِ ما أوجب الشك في حاله فهو متعد، ويقال أرابه كذلك إذ الهمزة لم تكسبه تعدية زائدة فهو مثل لَحِق وأَلْحق، وزَلَقه وأزلقه وقد قيل إن أراب أضعف من راب أراب بمعنى قَرَّبه من أن يشك قاله أبو زيد، وعلى التفرقة بينهما قال بشار :
أخوك الذي إن ربته قال إنما
أرَبْتَ وإن عاتبتَه لان جانبه
وفي الحديث :( دع ما يُريبك إلى ما لا يُريبك ) أي دع الفعل الذي يقربك من الشك في التحريم إلى فعل آخر لا يدخل عليك في فعله شك في أنه مباح.
ولم يختلف متواتر القراء في فتح ) لا ريب ( نفياً للجنس على سبيل التنصيص وهو أبلغه لأنه لو رفعَ لاحتمل نفي الفرد دون الجنس فإن كان الإشارة بقوله :( ذلك ( إلى الحروف المجتمعة في ) الم ( على إرادة التعريض بالمتحَدَّيْنَ وكان قوله :( الكتاب ( خبراً لاسم الإشارة على ما تقدم كان قوله :( لا ريب ( نفياً لريب خاص وهو الريب الذي يعرض في كون هذا الكتاب مؤلفاً من حروف كلامهم فكيف عجزوا عن مثله، وكان نفي الجنس فيه حقيقة وليس بادعاء، فتكون جملة ) لا ريبَ ( منزَّلة منزِلةَ التأكيد لمفاد الإشارة في قوله :( ذلك الكتاب ( وعلى هذا الوجه يجوز أن يكون المجرور وهو قوله :( فيه ( متعلقاً بريب على أنه ظرف لغو فيكون الوقف على قوله :( فيه، وهو مختار الجمهور على نحو قوله تعالى : وتنذر يوم الجمع لا ريب فيه ( ( الشورى : ٧ ) وقوله :( ربنا إنك جامع الناس ليوم لا ريب فيه ( ( آل عمران : ٩ ) ويجوز أن يكون قوله :( فيه ( ظرفاً مستقراً خبراً لقوله بعده :( هدى للكتقين ( ومعنى ( في ) هو الظرفية المجازية العرفية تشبيهاً لدلالة اللفظ باحتواء الظرف فيكون تخطئة للذين أعرضوا عن استماع القرآن فقالوا :( لا تسمعوا لهذا القرآن ( ( فصلت : ٢٦ ) استنزالاً لطائر نفورهم كأنه قيل هذا الكتاب مشتمل على شيء من الهدى فاسمعوا إليه ولذلك نكر