" صفحة رقم ٢٢٨ "
على أنه من صنع الناس، قال تعالى :( أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً ( ( النساء : ٨٢ ).
وقال في ( الكشاف ) : ثم لم تخل كل واحدة من هذه الأربع بعد أن نظمت هذا التنظيم السري من نكتة ذاتتِ جزالة : ففي الأولى الحذف والرمز إلى الغرض بألطف وجه، وفي الثانية ما في التعريف من الفخامة، وفي الثالثة ما في تقديم الريب على الظرف، وفي الرابعة الحذف ووضع المصدر وهو الهدى موضع الوصف وإيراده منكراً والإيجاز في ذكر المتقين ا هـ. فالتقوى إذن بهذا المعنى هي أساس الخير، وهي بالمعنى الشرعي الذي هو غاية المعنى اللغوي جماع الخيرات. قال ابن العربي لم يتكرر لفظ في القرآن مثلما تكرر لفظ التقوى اهتماماً بشأنها.
٣ ) ) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلواةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ ).
) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلواةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ ).
يتعين أن يكون كلاماً متصلاً بقوله :( للمتقين ( ( البقرة : ٢ ) على أنه صفة لإرْدَاف صفتِهم الإجمالية بتفصيللٍ يعرف به المراد، ويكون مع ذلك مبدأ استطراد لتصنيف أصناف الناس بحسب اختلاف أحوالهم في تلقي الكتاب المنوَّه به إلى أربعة أصناف بعد أن كانوا قبل الهجرة صنفين، فقد كانوا قبل الهجرة صِنفاً مؤمنين وصنفاً كافرين مصارحين، فزاد بعد الهجرة صنفان : هما المنافقون وأهل الكتاب، فالمشركون الصرحاء هم أعداء الإسلام الأولون، والمنافقون ظهروا بالمدينة فاعتز بهم الأولون الذين تركهم المسلمون بدار الكفر، وأهل الكتاب كانوا في شغل عن التصدي لمناوأة الإسلام، فلما أصبح الإسلام في المدينة بجوارهم أوجسوا خيفة فالتفُّوا مع المنافقين وظاهَروا المشركين. وقد أشير إلى أن المؤمنين المتقين فريقان : فريق هم المتقون الذين أسلموا ممن كانوا مشركين وكان القرآن هُدى لهم بقرينة مقابلة هذا الموصول بالموصول الآخر المعطوف بقوله :( والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون ( ( البقرة : ٤ ) الخ. فالمثنيُّ عليهم هنا هم الذين كانوا مشركين فسمعوا الدعوة المحمدية فتدبروا في النجاة واتقوا عاقبة الشرك فآمنوا، فالباعث الذي بعثهم على الإسلام هو التقوى دون الطمع أو التجربة، فوائل بن حجر مثلاً لما جاء من اليمن راغباً في الإسلام هو من المتقين، ومسيلمة حين وفد مع


الصفحة التالية
Icon