" صفحة رقم ٢٧٣ "
أن لا إلاه إلا الله وأن محمداً رسول الله ( أي ينطقوا بذلك نطقاً مطابقاً لاعتقادهم ) فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أن الله فرض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة ) الخ فلولا أن للإيمان وللإسلام الحظ الأول لما قدمه، ولولا أن الأعمال لا دخل لها في مسمى الإسلام لما فرَّق بينهما، لأن الدعوة للحق يجب أن تكون دفعة وإلا لكان الرضا ببقائه على جزء من الكفر ولو لحظة مع توقع إجابته للدين رضىً بالكفر وهو من الكفر فكيف يأمر بسلوكه المَعصوم عن أن يُقِرّ أحداً على باطل، فانتظم القول الثالث للقولين.
ومما لا شبهة فيه أن استحقاق الثواب والعقاب على قدر الأعمال القلبية والجوارحية فالأمر الذي لا يحصُل شيءٌ من المطلوب دونَه لا يُنجي من العذاب إلا جميعُه فوجب أن يكون من لم يؤمن ولم يسلم مخلَّداً في النار لأنه لا يحصل منه شيء من المقصود بدون الإيمان والإسلام، وأما الأمور التي يقرُب فاعلها من الغاية بمقدار ما يخطُو في طرقها فثوابها على قدر ارتكابها والعقوبة على قدر تركها، ولا ينبغي أن ينازِع في هذا غيرُ مكابر، إذ كيف يستوي عندالله العليممِ الحكيم رجلان أحدهما لم يؤمن ولم يسلم والآخر آمن وأسلَم وامتثل وانتهى، إلا أنه اتبع الأمَّارة بالسوء في خصلة أو زلة فيحكم بأن كلا الرجلين في عذاب وخلود ؟ وهل تبقى فائدة لكل مرتكب معصية في البقاء على الإسلام إذا كان الذي فر من أجله للإسلام حاصلاً على كل تقدير وهو الخلود في النار حتى إذا أراد أن يتوب آمَن يومئذٍ ؟ وهل ينكر أحد أن جل الأمة لا يخلون من التلبس بالمعصية والمعصيتين إذ العصمة مفقودة فإذا كان ذلك قبل التوبة كفراً فهل يقول هذا العاقل إن الأمة في تلك الحالة متصفة بالكفر ولا إخال عاقلاً يلتزمها بعد أن يسمعها، أفهل يموه أحد بعد هذا أن يأخذ من نحو قوله تعالى :( وما كان الله ليضيع إيمانكم ( ( البقرة : ١٤٣ ) يعني الصلاة، إن الله سمَّي الصلاة إيماناً ولولا أن العمل من الإيمان لما سميت كذلك بعد أن بينَّا أن الأعمال هي الغاية من الإيمان والإسلام فانتظم القول الرابع والخامس لثلاثة الأقوال لمن اقتدى في الإنصاف بأهل الكمال.
ثم على العالم المتشبع بالاطلاع على مقاصد الشريعة وتصاريفها أن يفرق بين مقامات خطابها فإن منها مقام موعظة وترغيب وترهيب وتبشير وتحذير، ومنها مقام تعليم وتحقيق فيرد كل وارد من نصوص الشريعة إلى مورده اللائق ولا تتجاذبه المتعارضات مجاذبة المماذق فلا يحتج أحد بما ورد في أثبت أوصاف الموصوف، وأثبت أحد تلك الأوصاف تارة في سياق الثناء عليه