" صفحة رقم ٣١ "
ثالثها : أن يكون له ميل إلى نزعة أو مذهب أو نحلة فيتأول القرآن على وفق رأيه ويصرفه عن المراد ويرغمه على تحمله ما لا يساعد عليه المعنى المتعارف، فيجر شهادة القرآن لتقرير رأيه ويمنعه عن فهم القرآن حق فهمه ما قيد عقله من التعصب، عن أن يجاوزه فلا يمكنه أن يخطر بباله غير مذهبه حتى إن لمع له بارق حق وبدا له معنى يباين مذهبه حمل عليه شيطان التعصب حملة وقال كيف يخطر هذا ببالك، وهو خلاف معتقدك كمن يعتقد من الاستواء على العرش التمكن والاستقرار، فإن خطر له أن معنى قوله تعالى ) القدوس ( أنه المنزه عن كل صفات المحدثات حجبة تقليده عن أن يتقرر ذلك في نفسه، ولو تقرر لتوصل فهمه فيه إلى كشف معنى ثان أو ثالث، ولكنه يسارع إلى دفع ذلك عن خاطره لمناقضته مذهبه.
وجمود الطبع على الظاهر مانع من التوصل للغور. كذلك تفسير المعتزلة قوله ) إلى ربها ناظرة ( بمعنى أنها تنتظر نعمة ربها على أن إلى واحد الآلاء مع ما في ذلك من الخروج عن الظاهر وعن المأثور وعن المقصود من الآية. وقالت البيانية في قوله تعالى ) هذا بيان للناس ( : إنه بيان ابن سمعان كبير مذهبهم. وكانت المنصورية أصحاب أبي منصور الكسف يزعمون أن المراد من قوله تعالى ) وإن يروا كسفا من السماء ساقطا يقولوا سحاب مركوم ( أن الكسف إمامهم نازل من السماء، وهذا إن صح عنهم ولم يكن من ملصقات أضدادهم فهو تبديل للقرآن ومروق عن الدين.
رابعها : أن يفسر القرآن برأي مستند إلى ما يقتضيه اللفظ ثم يزعم أن ذلك هو المراد دون غيره لما في ذلك من التضييق على المتأولين.
خامسها : أن يكون القصد من التحذير أخذ الحيطة في التدبر والتأويل ونبذ التسرع إلى ذلك، وهذا مقام تفاوت العلماء فيه واشتد الغلو في الورع ببعضهم حتى كان لا يذكر تفسير شيء غير عازية إلى غيره. وكان الأصمعي لا يفسر كلمة من العربية إذا كانت واقعة في القرآن،


الصفحة التالية
Icon