" صفحة رقم ٣١٤ "
الأعمى وليس المعنى على التوزيع فلا يفهم أن بعضهم كالأصم وبعضهم كالأبكم وبعضهم كالأعمى، وليس هو من الاستعارة عند محققي أهل البيان. قال صاحب ( الكشاف ) :( ( فإن قلت هل يسمى ما في الآية استعارة قلت مختلف فيه والمحققون على تسميته تشبيهاً بليغاً لا استعارة لأن المستعار له مذكور وهم المنافقون ) ) ا هـ أي لأن الاستعارة تعتمد على لفظ المستعار منه أو المستعار له في جملة الاستعارة فمتى ذكرا معاً فهو تشبيه، ولا يضر ذكر لفظ المستعار له في غير جملة الاستعارة لظهور أنه لولا العلم بالمستعار له في الكلام لما ظهرت الاستعارة ولذلك اتفقوا على أن قول ابن العميد :
قامت تظللني من الشمس
نفسٌ أعزُّ عليّ من نفسي
قامت تظللني ومن عجب
شمسٌ تظللني من الشمس
أن قوله شمس استعارة ولم يمنعهم من ذلك ذكر المستعار له قبل في قوله نفس أعز، وضميرها في قوله قامت تظللني وكذا إذا لفظ المستعار غير مقصود ابتناء التشبيه عليه لم يكن مانعاً من الاستعارة كقول أبي الحسن ابن طَبَاطَبَا :
لا تعجبوا من بلى غلالته
قد زرّ أزراره على القمر
فإن الضمير لم يذكر ليبنى عليه التشبيه بل جاء التشبيه عقبه.
والصم والبكم والعمى جمع أصم وأعمى وأبكم وهم من اتصف بالصمم والبكم والعمي، فالصمم انعدام إحساس السمع عمن من شأنه أن يكون سميعاً، والبكم انعدام النطق عمن من شأنه النطق، والعمي انعدام البصر عمن من شأنه الإبصار.
وقوله :( فهم لا يرجعون ( تفريع على جملة :( صم بكم عمي ( لأن من اعتراه هذه الصفات انعدم منه الفهم والإفهام وتعذر طمع رجوعه إلى رشد أو صواب. والرجوع الانصراف من مكان حلول ثان إلى مكان حلول أول وهو هنا مجاز في الإقلاع عن الكفر.
) ) أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ السَّمَآءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصْابِعَهُمْ فِى
ءَاذَانِهِم مِّنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ ).
) أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ السَّمَآءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصْابِعَهُمْ فِى
ءَاذَانِهِم مِّنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ ).
عطف على التمثيل السابق وهو قوله :( كمثل الذي استوقد ناراً ( ( البقرة : ١٧ ) أعيد تشبيه حالهم بتمثيل آخر وبمراعاة أوصاف أخرى فهو تمثيل لحال المنافقين المختلطة بين جواذب ودوافع