" صفحة رقم ٣٣٥ "
عمل من يعتقد التسوية بينها وبين الله تعالى لأن العبرة بالفعل لا بالقول. وفي ذلك معنى من التعريض بهم ورميهم باضطراب الحال ومناقضة الأقوال للأفعال.
وقوله :( وأنتم تعلمون ( جملة حالية ومفعول ) تعلمون ( متروك لأن الفعل لم يقصد تعليقه بمفعول بل قصد إثباته لفاعله فقط فنزل الفعل منزلة اللازم، والمعنى وأنتم ذو علم. والمراد بالعلم هنا العقل التام وهو رجحان الرأي المقابل عندهم بالجهل على نحو قوله تعالى :( قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون ( ( الزمر : ٩ ) وقد جعلت هاته الحال محط النهي والنفي تمليحاً في الكلام للجمع بين التوبيخ وإثارة الهمة فإنه أثبت لهم علماً ورجاحة الرأي ليثير همتهم ويلفت بصائرهم إلى دلائل الوحدانية ونهاهم عن اتخاذ الآلهة أو نفي ذلك مع تلبسهم به وجعله لا يجتمع مع العلم توبيخاً لهم على ما أهملوا من مواهب عقولهم وأضاعوا من سلامة مداركهم. وهذا منزع تهذيبي عظيم، أن يعمد المربي فيجمع لمن يربيه بين ما يدل على بقية كمال فيه حتى لا يقتل همته باليأس من كماله فإنه إذا ساءت ظنونه في نفسه خارت عزيمته وذهبت مواهبه، ويأتي بما يدل على نقائص فيه ليطلب الكمال فلا يستريح من الكد في طلب العلا والكمال.
وقد أومأ قوله :( وأنتم تعلمون ( إلى أنهم يعلمون أن الله لا ند له ولكنهم تعاموا وتناسوا فقالوا :( إلا شريكاً هو لك ).
) ) وَإِن كُنتُمْ فِى رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُواْ شُهَدَآءَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ).
انتقال لإثبات الجزء الثاني من جزئي الإيمان بعد أن تم إثبات الجزء الأول من ذلك بما قدمه من قوله تعالى :( يا أيها الناس اعبدوا ربكم ( ( البقرة : ٢١ ) الخ. فتلك هي المناسبة التي اقتضت عطف هذه الجملة على جملة :( يا أيها الناس اعبدوا ربكم، ( ولأن النهي عن أن يجعلوا لله أنداداً جاء من عند الله فهم بمظنة أن ينكروا أن الله نهى عن عبادة شفعائه ومقربيه لأنهم من ضَلالهم كانوا يدَّعون أن الله أمرهم بذلك قال تعالى :( وقالوا لو شاء الرحمن ما عبدناهم ( ( الزخرف : ٢٠ ) فقد اعتلوا لعبادة الأصنام بأن الله أقامها وسائط بينه وبينهم، فزادت بهذا مناسبةُ عطف قوله :( وإن


الصفحة التالية
Icon