" صفحة رقم ٤٣ "
فالحكمة وإن كانت علما اصطلاحيا وليس هو تمام المعنى للآية إلا أن معنى الآية الأصلي لا يفوت وتفاريع الحكمة تعين عليه. وكذلك أن نأخذ من قوله تعالى ) كيلا يكون دولة بين الأغنياء منكم ( تفاصيل من علم الاقتصاد السياسي وتوزيع الثروة العامة ونعلل بذلك مشروعية الزكاة والمواريث والمعاملات المركبة من رأس مال وعمل على أن ذلك تومئ إليه الآية إيماء.
وأن بعض مسائل العلوم قد تكون أشد تعلقا بتفسير آي القرآن كما نفرض مسألة كلامية لتقرير دليل قرآني مثل برهان التمانع لتقرير معنى قوله تعالى ) لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا ). وكتقرير مسألة المتشابه لتحقيق معنى نحو قوله تعالى ) والسماء بنيناها بأيد ( فهذا كونه من غايات التفسير واضح، وكذا قوله تعالى ) أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها وما لها من فروج ( فإن القصد منه الاعتبار بالحالة المشاهدة فلو زاد المفسر ففصل تلك الحالة وبين أسرارها وعللها بما هو مبين في علم الهيأة كان قد زاد المقصد خدمة. وإما على وجه التوفيق بين المعنى القرآني وبين المسائل الصحيحة من العلم حيث يمكن الجمع. وإما على وجه الاسترواح من الآية كما يؤخذ من قوله تعالى ) ويوم نسير الجبال ( أن فناء العالم يكون بالزلازل ومن قوله ) إذا الشمس كورت ( الآية أن نظام الجاذبية يختل عند فناء العالم.
وشرط كون ذلك مقبولا أن يسلك فيه مسلك الإيجاز فلا يجلب إلا الخلاصة من ذلك العلم ولا يصير الاستطراد كالغرض المقصود له لئلا يكون كقولهم : السي بالسي يذكر.
وللعلماء في سلوك هذه الطريقة الثالثة على الإجمال آراء : فأما جماعة منهم فيرون من الحسن التوفيق بين العلوم غير الدينية وآلاتها وبين المعاني القرآنية، ويرون القرآن مشيرا إلى كثير منها. قال ابن رشد الحفيد في فصل المقال أجمع المسلمون على أن ليس يجب أن تحمل ألفاظ الشرع كلها على ظاهرها، ولا أن تخرج كلها عن ظاهرها بالتأويل، والسبب في ورود الشرع بظاهر وباطن هو اختلاف نظر الناس. وتباين قرائحهم في التصديق


الصفحة التالية
Icon