" صفحة رقم ٥٥ "
بأسانيد أقوى وهي متواترة على الجملة كما سنذكره، وما كان ينبغي إطلاق وصف قراءة النبي عليها لأنه يوهم من ليسوا من أهل الفهم الصحيح أن غيرها لم يقرأ به النبي ( ﷺ )، وهذا يرجع إلى تبجح أصحاب الرواية بمروياتهم.
وأما الحالة الثانية : فهي اختلاف القراء في حروف الكلمات مثل ) مالك يوم الدين ( و ) ملك يوم الدين ( و ) ننشرها ( و ) ننشزها ( و ) ظنوا أنهم قد كذبوا ( بتشديد الذال أو ) قد كذبوا ( بتخفيفه، وكذلك اختلاف الحركات الذي يختلف معه معنى الفعل كقوله ) ولما ضرب ابن مريم مثلا إذا قومك منه يصدون ( قرأ نافع بضم الصاد وقرأ حمزة بكسر الصاد، فالأولى بمعنى يصدون غيرهم عن الإيمان، والثانية بمعنى صدودهم في أنفسهم وكلا المعنيين حاصل منهم، وهي من هذه الجهة لها مزيد تعلق بالتفسير لأن ثبوت أحد اللفظين في قراءة قد يبين المراد من نظيره في القراءة الأخرى، أو يثير معنى غيره، ولأن اختلاف القراءات في ألفاظ القرآن يكثر المعاني في الآية الواحدة نحو ) حتى يطهرن ( بفتح الطاء المشددة والهاء المشددة، وبسكون الطاء وضم الهاء مخففة، ونحو ) لامستم النساء ( و ) لمستم النساء (، وقراءة ) وجعلوا الملائكة الذين هم عند الرحمن إناثا ( مع قراءة ) الذين هم عباد الرحمن ( والظن أن الوحي نزل بالوجهين وأكثر، تكثيرا للمعاني إذا جزمنا بأن جميع الوجوه في القراءات المشهورة هي مأثورة عن النبي ( ﷺ )، على أنه لا مانع من أن يكون مجيء ألفاظ القرآن على ما يحتمل تلك الوجوه مرادا لله تعالى ليقرأ القراء بوجوه فتكثر من جراء ذلك المعاني، فيكون وجود الوجهين فأكثر في مختلف القراءات مجزئا عن آيتين فأكثر، وهذا نظير التضمين في استعمال العرب، ونظير التورية والتوجيه في البديع، ونظير مستتبعات التراكيب في علم المعاني، وهو من زيادة ملاءمة بلاغة القرآن، ولذلك كان اختلاف القراء في اللفظ الواحد من القرآن قد يكون معه اختلاف المعنى ؛ ولم يكن حمل أحد القراءتين على الأخرى متعينا ولا مرجحا، وإن كان قد يؤخذ من كلام أبي علي الفارسي في كتاب الحجة أنه يختار حمل معنى إحدى القراءتين على معنى الأخرى، ومثال هذا قوله في قراءة الجمهور قوله تعالى ) فإن الله هو الغني الحميد ( في سورة الحديد، وقراءة نافع وابن عامر ) فإن الله الغني الحميد ( بإسقاط هو أن من أثبت هو يحسن أن يعتبره ضمير فصل لا مبتدأ، لأنه