" صفحة رقم ١٠١ "
والامتنان على المسلمين بأن أرسل فيهم رسولاً منهم جبله على صفات فيها كلّ خير لهم.
وشرع الزكاة ومصارفها والأمر بالفقه في الدين ونشر دعوة الدين. أعلم أنّه قد ترك الصحابة الذين كتبوا المصحف كتابة البسملة قبل سورة براءة، كما نبّهت عليه عند الكلام على سورة الفاتحة. فجعلوا سورة براءة عقب سورة الأنفال بدون بسملة بينهما، وتردد العلماء في توجيه ذلك. وأوضح الأقوال ما رواه الترمذي والنسائي، عن ابن عبّاس، قال : قلتُ لعثمان :( ما حملكم على أن عمدتم إلى الأنفال وهي من المثاني، وإلى براءة وهي من المئين فقرنتم بينهما ولم تكتبوا سطر بسم الله الرحمن الرحيم. فقال عثمان : إنّ رسول الله كان إذا نزل عليه الشيء يدعو بعض من يكتب عنده فيقول : ضعوا هذه في السورة التي فيها كذا وكذا، وكانت الأنفال من أوائل ما نزل بالمدينة، وبراءة من آخر القرآن وكانت قصّتها شبيهاً بقصّتها وقبض رسول الله ( ﷺ ) ولم يبيّن لنا أنّها منها، فظننت أنّها منها فمن ثَم قرنت بينهما ولم أكتب بينهما سطر بسم الله الرحمن الرحيم ).
ونشأ من هذا قول آخر : وهو أنّ كتبة المصاحف في زمن عثمان اختلفوا في الأنفال. وبراءة، هل هما سورة واحدة أو هما سورتان، فتركوا فرجة فصلاً بينهما مراعاة لقول من عدّهمَا سورتين، ولم يكتبوا البسملة بينهما مراعاة لقول من جعلهما سورة واحدة، وروى أبو الشيخ، عن ابن عباس، عن علي بن أبي طالب : أنّهم إنّما تركوا البسملة في أولها ؛ لأنّ البسملة أمان وبشارة، وسورة براءة نزلت بنبذ العهود والسيف، فلذلك لم تبدأ بشعار الأمان، وهذا إنّما يجري على قول من يجعلون البسملة آية من أول كلّ سورة عدا سورة براءة، ففي هذا رعي لبلاغة مقام الخطاب كما أنّ الخاطب المغضَب يبدأ خطبته ( بأمّا بعد ) دون استفتاح. وشأن العرب إذا كان بينهم عهد فأرادوا نقضه، كتبوا إلى القوم الذين ينبذون إليهم بالعهد كتاباً ولم يفتتحوه بكلمة ( باسمك اللهم ) فلمّا نزلت براءة بنقض العهد الذي كان بين النبي ( ﷺ ) وبين المشركين بعث عليّاً إلى الموسم فقرأ صدر براءة ولم يبسمل جريا على عادتهم في رسائل نقض العهود، وقال ابن العربي في ( الأحكام ) : قال مالك فيما روى


الصفحة التالية
Icon