" صفحة رقم ١٠٤ "
أن لا يُصَدّ أحد عن البيت إذا جاء، وأن لا يُخاف أحد في الشهر الحرام، وقد كان معظم قبائل العرب داخلاً في عقد قريش الواقع في الحديبية ؛ لأنّ قريشاً كانوا يومئذٍ زعماء جميع العرب، ولذلك كان من شروط الصلح يومئذ : أنّ من أحبّ أن يدخل في عهد محمد دخل فيه، ومن أحبّ أن يدخل في عهد قريش دخل فيه، وكان من شروط الصلح وضع الحرب عن الناس سنين يأمَن فيها الناس ويكفّ بعضهم عن بعض، فالذين عاهدوا المسلمين من المشركين معروفون عند الناس يوم نزول الآية. وهذا العهد، وإن كان لفائدة المسلمين على المشركين، فقد كان عَديلُهُ لازماً لفائِدة المشركين على المسلمين، حين صار البيت بيد المسلمين بعد فتح مكّة، فزال ما زال منه بعد فتح مكّة وإسلام قريش وبعض أحْلافهم.
وكان بين المسلمين وبعض قبائِل المشركين عهود ؛ كما أشارت إليه سورة النساء ( ٩٠ ) في قوله تعالى :( إلا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق الآية، وكما أشارت إليه هذه السورة ( ٤ ) في قوله تعالى : إلا الذين عاهدتم من المشركين ثم لم ينقصوكم شيئاً الآية.
وبعض هذه العهود كان لغير أجل معيّن، وبعضها كان لأجل قد انقضى، وبعضها لم ينقض أجله. فقد كان صلح الحديبية مؤجّلاً إلى عَشر سنين في بعض الأقوال وقيل : إلى أربع سنين، وقيل : إلى سنتين. وقد كان عهد الحديبية في ذي القعدة سنة ستّ، فيكون قد انقضت مدّته على بعض الأقوال، ولم تنقض على بعضها، حين نزول هذه الآية. وكانوا يحسبون أنّه على حكم الاستمرار، وكان بعض تلك العهود مؤجلاً إلى أجل لم يتمّ، ولكن المشركين خفروا بالعهد في ممالاة بعض المشركين غير العاهدين، وفي إلحاق الأذى بالمسلمين، فقد ذُكر أنّه لمّا وقعت غزوة تبوك أرجف المنافقون أنّ المسلمين غُلبوا فنقض كثير من المشركين العهد، وممّن نقض العهد بعضُ خزاعة، وبنُو مُدلِج، وبنو خزيمة أو جَذِيمة، كما دلّ عليه قوله تعالى : ثم لم ينقصوكم شيئاً ولم يظاهروا عليكم أحدا ( ( التوبة : ٤ ) فأعلن الله لهؤلاء هذه البراءة ليأخذوا حِذرهم، وفي ذلك تضييق عليهم إن داموا على الشرك، لأنّ الأرض صارت لأهل الإسلام كما دلّ عليه قوله تعالى بعدُ :( فإن تبتم فهو خير لكم وإن توليتم فاعلموا أنكم غير معجزي الله ( ( التوبة : ٣ ).


الصفحة التالية
Icon