" صفحة رقم ١٠٨ "
وإضافة الأذان إلى الله ورسوله دُون المسلمين، لأنّه تشريع وحكم في مصالح الأمّة، فلا يكون إلاّ من الله على لسان رسوله ( ﷺ ) وهذا أمر للمسلمين بأن يأذنوا المشركين بهذه البراءة، لئلا يكونوا غادرين، كما قال تعالى :( وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء إن الله لا يحب الخائنين ( ( الأنفال : ٥٨ ). والمراد بالناس جميع الناس من مؤمنين ومشركين لأن العلم بهذا النداء يَهُمّ الناس كلّهم.
ويوم الحجّ الأكبر : قيل هو يوم عرفة، لأنّه يوم مجتمع الناس في صعيد واحد، وهذا يروى عن عمر، وعثمان، وابن عباس، وطاووس، ومجاهد، وابن سيرين. وهو قول أبي حنيفة، والشافعي، وفي الحديث :( الحج عرفة ).
وقيل : هو يوم النحر، لأنّ الناس كانوا في يوم موقف عرفة مفترقين إذْ كانت الحُمْس يقفون بالمزدلفة، ويقف بقية الناس بعرفة، وكانوا جميعاً يحضرون منى يوم النحرِ، فكان ذلك الاجتماع الأكبرَ، ونسَب ابنُ عطية هذا التعليل إلى منذر بن سعيد، وهذا قول علي، وابن عمر، وابن مسعود، والمغيرة بن شعبة، وابن عباس أيضاً، وابن أبي أوفى، والزهري، ورواه ابن وهب عن مالك، قال مالك : لا نشك أن يوم الحج الأكبر يوم النحر لأنّه اليوم الذي تُرمى فيه الجمرة، وينحر فيه الهدي، وينقضي فيه الحج، من أدرك ليلة النحر فوقف بعرفة قبل الفجر أدرَك الحج.
وأقول : إن يوم عرفة يوم شغل بعبادة من وقوف بالموقف ومن سماع الخطبة. فأما يوم منى فيوم عيدهم.
و ) الأكبر ( بالجرّ نعت للحجّ، باعتبار تجزئته إلى أعمال، فوُصف الأعظم من تلك الأعمال بالأكبر، ويظهر من اختلافهم في المراد من الحجّ الأكبر أنّ هذا اللفظ لم يكن معروفاً قبل نزول هذه الآية فمن ثم اختلف السلف في المراد منه.
وهذا الكلام إنشاءٌ لهذا الأذان، موقّتاً بيوم الحجّ الأكبر، فيؤوّل إلى معنى الأمر، إذ المعنى آذنوا الناس يوم الحجّ الأكبر بأنّ الله ورسوله بريئان من المشركين.


الصفحة التالية
Icon