" صفحة رقم ١١٨ "
عموم الجنس واحتملت بعض الأفراد، فكان ذكر ) أحد ( في سياق الشرط تنصيصاً على العموم بمنزلة البناء على الفتح في سياق النفي بلا.
و ) أحد ( أصله ( واحد ) لأنّ همزته بدل من الواو ويستعمل بمعنى الجزئي من الناس لأنّه واحد، كما استعمل له ( فَرد ) في اصطلاح العلوم، فمعنى ) أحد من المشركين ( مشرك.
وتقديم ) أحد ( على ) استجارك ( للاهتمام بالمسند إليه، ليكون أول ما يقرع السمع فيقع المسند بعد ذلك من نفس السامع موقع التمكن.
وساغ الابتداء بالنكرة لأنّ المراد النوع، أو لأنّ الشرط بمنزلة النفي في إفادة العموم، ولا مانع من دخول حرف الشرط على المبتدأ، لأن وقوع الخبر فعلاً مقنع لحرف الشرط في اقتضائه الجملة الفعلية، فيعلم أنّ الفاعل مقدّم من تأخير لغرض مّا. ولذلك شاع عند النحاة أنّه فاعل بفعل مقدر، وإنّما هو تقدير اعتبارٍ. ولعلّ المقصود من التنصيص على إفادة العموم، ومن تقديم ) أحد من المشركين ( على الفعل، تأكيد بذل الأمان لمن يسأله من المشركين إذا كان للقائه النبي ( ﷺ ) ودخولِه بلاد الإسلام مصلحة، ولو كان أحد من القبائل التي خانت العهد، لئلاّ تحمِل خيانتُهم المسلمين على أن يخونوهم أو يغدروا بهم فذلك كقوله تعالى :( ولا يجرمنّكم شنآن قوم أن صدوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا ( ( المائدة : ٢ )، وقول النبي ( ﷺ ) ( ولا تَخُن من خانك ).
والاستجارة : طلب الجوار، وهو الكون بالقرب، وقد استعمل مجازاً شائعاً في الأمن، لأنّ المرء لا يستقر بمكان إلاّ إذا كان آمناً، فمن ثم سمّوا المؤمِّن جاراً، والحليفَ جاراً، وصار فعل أجَار بمعنى أمَّن، ولا يطلق بمعنى جعَلَ شخصاً جاراً له. والمعنى : إنْ أحد من المشركين استأمنك فأمنه.
ولم يبيّن سبب الاستجارة، لأنّ ذلك مختلف الغرض وهو موكول إلى مقاصد العقلاء فإنّه لا يستجير أحد إلاّ لغرض صحيح.
ولما كانت إقامة المشرك المستجير عند النبي عليه الصلاة والسلام لا تخلو من عرض الإسلام عليه وإسماعِه القرآن، سواء كانت استجارته لذلك أم لغرض آخر،


الصفحة التالية
Icon