" صفحة رقم ١٢٥ "
٩ ) ) اشْتَرَوْاْ بِئَايَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلاً فَصَدُّواْ عَن سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ سَآءَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ).
موقع هذه الجملة موقع الاستئناف الابتدائي المشعر استئنافه بعجيب حالهم فيصد استقلاله بالإخبار. وهذه الآية وصفَ القرآن فيها المشركين بمثل ما وصف به أهل الكتاب في سورة البقرة : من الاشتراء بآيات الله ثمناً قليلاً، ثم لم يوصفوا بمثل هذا في آيةٍ أخرى نزلت بعدها لأنّ نزولها كان في آخر عهد المشركين بالشرك إذ لم تطل مدة حتّى دخلوا في دين الله أفواجاً، سنةَ الوفود وما بعدها، وفيها دلالة على هؤلاء الذين بقُوا على الشرك من العرب، بعد فتح مكة وظهور الإسلام على معظم بلاد العرب، ليس لهم افتراء في صحة الإسلام ونهوض حجّته، ولكنه بقُوا على الشرك لمنافع يجتنونها من عوائِد قومهم : من غارات يشنّها بعضهم على بعض، ومحبّة الأحواللِ الجاهلية من خمر وميسر وزنى، وغير ذلك من المَذمات واللذّات الفائدة، وذلك شيء قليل ( آثروه على الهدى والنجاة في الآخرة. فلكون آيات صدق القرآن أصبحت ثابتة عندهم جعلت مِثل مال بأيديهم، بذلوه وفرّطوا فيه لأجل اقتناء منافع قليلة، فلذلك مُثّل حالهم بحال من اشترى شيئاً بشيء، وقد مضى الكلام على مثل هذه الآية في سورة البقرة ( ١٦ ).
والمراد ب ( الآيات ) الدلائل، وهي دلائل الدعوة إلى الإسلام، وأعظمها القرآن لما اشتمل عليه من البراهين والحجاج والإعجاز والباء في قوله :( بآيات الله ( باء التعويض. وشأنها أن تدخل على ما هو عوض يبذله مالكه لأخذ معوّض يملكه غيره، فجعلت آيات الله كالشيء المملوك لهم لأنها تقررت دلالتها عندهم ثم أعرضوا عنها واستبدلوها باتّباع هواهم.
والتعبير عن العوض المشترى باسم ثمن الذي شأنه أن يكون مبذولاً لا مقتنى جارٍ على طريق الاستعارة تشبيهاً لمنافع أهوائهم بالثمن المبذول فحصُل من فعل ) اشتروا ( ومن لفظ ) ثمناً ( استعارتان باعتبارين.


الصفحة التالية
Icon