" صفحة رقم ١٣٨ "
وحسبتم : ظننتم. ومصدر حسب، بمعنى ظنّ الحِسبان بكسر الحاء فأمّا مصدر حسب بمعنى أحصى العدد فهو بضم الحاء.
والترك افتقاد الشيء وتعهّدِه، أي : أن يترككم الله، فحُذف فاعل الترك لظهوره.
ولا بدّ لفعل الترك من تعليقه بمتعلّق : من حال أو مجرور، يدلّ على الحالة التي يفارق فيها التاركُ متروكه، كقوله تعالى :( أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ( ( العنكبوت : ٢ ) ومثل قول عنترة :
فتركتُه جَزَر السباع ينُشنَه
وقول كبشة بنت معد يكرب، على لسان شقيقها عبد الله حين قتلته بنو مازن بن زبيد في بلد صَعْدة من بلاد اليمن :
وأُتْرَك في بيتتٍ بصَعْدة مُظْلِم
وحذف متعلِّق ) تتركوا ( في الآية : لدلالة السَياق عليه، أي أن تتركوا دون جهاد، أي أن تتركوا في دعة بعد فتح مكة.
والمعنى : كيف تحسبون أن تتركوا، أي لا تحسبوا أن تتركوا دون جهاد لأعداء الله ورسوله.
وجملة ) ولمّا يعلم الله الذين جاهدوا منكم ( إلخ في موضع الحال من ضمير ) تتركوا ( أي لا تظنّوا أن تتركوا في حال عدم تعلّق علم الله بوقوع ابتدار المجاهدين للجهاد، وحصول تثاقل من تثاقلوا، وحصول ترك الجهاد من التاركين.
و ) لمّا ( حرف للنفي، وهي أخت ( لم ). وقد تقدّم بيانها، والفرق بينها وبين ( لم ) عند قوله تعالى :( ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم ( ( البقرة : ٢١٤ ) وقوله تعالى :( ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين في سورة آل عمران ( ( ١٤٢ ).
ومعنى علم الله بالذين جاهدوا : علمه بوقوع ذلك منهم وحصول امتثالهم، وهو من تعلّق العلم الإلاهي بالأمور الواقعة، وهو أخصّ من علمه تعالى الأزلي بأنّ الشيء يقع أو لا يقع، ويجدر أن يوصف بالتعلّق التنجيزي وقد تقدّم شيء من ذلك عند قوله تعالى :( ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم في سورة آل عمران ( ١٤٢ ).


الصفحة التالية
Icon