" صفحة رقم ١٥٣ "
وكالأبناء والأزواج والعشيرة الذين يألف المرء البقاء بينهم، فلعلّ ذلك يقعده عن الغزو، وكالأموال والتجارة التي تصدّ عن الغزو وعن الإنفاق في سبيل الله. وكذلك المساكن التي يألف المرء الإقامة فيها فيصدّه إلفها عن الغزو. فإذا حصل التعارض والتدافع بين ما أراده الله من المؤمنين وبين ما تَجُرُّ إليه تلك العلائق وجب على المؤمِن دحضها وإرضاء ربّه.
وقد أفاد هذا المعنى التعبير ب ) أحب ( لأنّ التفضيل في المحبّة يقتضي إرضاء الأقوى من المحبوبين، ففي هذا التعبير تحذير من التهاون بواجبات الدين مع الكناية عن جعل ذلك التهاون مُسبّباً على تقديم محبّة تلك العلائق على محبّة الله، ففيه إيقاظ إلى ما يؤول إليه ذلك من مهواة في الدين وهذا من أبلغ التعبير.
وخصّ الجهاد بالذكر من عموم ما يحبّه الله منهم : تنويهاً بشأنه، ولأنّ ما فيه من الخطر على النفوس ومن إنفاق الأموال ومفارقة الإلف، جَعله أقوى مظنّة للتقاعس عنه، لا سيما والسورة نزلت عقب غزوة تبوك التي تخلّف عنها كثير من المنافقين وبعضُ المسلمين.
و ( العَشيرة ) الأقارب الأدْنَوْن، وكَأنه مشتقّ من العِشْرة وهي الخلطة والصحبة.
وقرأ الجمهور ) وعشيرتكم ( بصيغة المفرد وقرأه أبو بكر عن عاصم ) وعشيراتكم جمع عشيرة ووجهه : أنّ لكلّ واحد من المخاطبين عشيرة، وعن أبي الحسن الأخفش : إنّما تَجمعَ العرب عشيرة على عشائر ولا تكاد تقول عَشيرات، وهذه دعوى منه، والقراءة رواية فهي تَدفَع دَعواه.
والاقتراف : الاكتساب، وهو مشتقّ من قارف إذا قارَب الشيء.
والكساد، قلّة التبايع وهو ضدّ الرَّولج والنَّفاق، وذلك بمقاطعة طوائف من المشركين الذين كانوا يتبايعون معهم، وبالانقطاع عن الاتّجار أيام الجهاد.
وجُعل التفضيل في المحبّة بين هذه الأصناف وبين محبّة الله ورسوله والجهاد : لأنّ تفضيل محبّة الله ورسوله والجهاد يوجب الانقطاع عن هذه الأصناف، فإيثار هذه الأشياء على مَحبة الله يفضي موالاة إلى الذين يستحبّون الكفر، وإلى القعود عن الجهاد.


الصفحة التالية
Icon