" صفحة رقم ١٥٧ "
فالضيق غير حقيقي بقرينة قوله :( بما رحبت ( استعير ) وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ( استعارة تمثيلية تمثيلاً لحال من لا يستطيع الخلاص من شدّة بسبب اختلال قوة تفكيره، بحال من هو في مكان ضَيِّق من الأرض يريد أن يخرج منه فلا يستطيع تجاوزه ولا الانتقال منه.
فالباء للملابسة، و ) ما ( مصدرية، والتقدير : ضاقت عليكم الأرض حالة كونها ملابسة لرحبها أي سعتها : أي في حالة كونها لا ضيق فيها وهذا المعنى كقول الطرماح بن حكيم :
ملأتُ عليه الأرض حتّى كأنّها
من الضيق في عينيْه كفة حابل
قال الأعلم ( أي من الزعر ) هو مأخوذ من قول الآخر :
كأنَّ فجاج الأرض وهي عريضة
على الخائف المطلوب كفّة حابل
وهذا أحسن من قول المفسّرين أنّ معنى ) وضاقت عليكم اورض بما رحبت ( لمْ تهتدوا إلى موضع من الأرض تفرّون إليه فكأنَّ الأرض ضاقت عليكم، ومنهم من أجمل فقال : أي لشدّة الحال وصعوبتها.
وموقع ) ثُم ( في قوله :( ثم وليتم مدبرين ( موقع التراخي الرتبي، أي : وأعظم ممّا نالكم من الشرّ أن وليتم مدبرين.
والتولّي : الرجوع، و ) مدبرين ( حال : إمّا مؤكّدة لمعنى ) وليتم ( أو أريد بها إدبار أخص من التولّي، لأنّ التولّي مطلق يكون للهروب، ويكون للفرّ في حِيل الحروب، والإدبار شائع في الفرار الذي لم يقصد به حيلة فيكون الفرق بينه وبين التولّي اصطلاحاً حربياً.
) ) ثُمَّ أَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا وَعذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَذالِكَ جَزَآءُ الْكَافِرِينَ ).
عطف على قوله :( ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم ( ( التوبة : ٢٥ ).
و ) ثم ( دالّة على التراخي الرتبي فإنّ نزول السكينة ونزول الملائكة أعظم من النصر