" صفحة رقم ١٨٣ "
مظاهر بحسب سمته من الأرض وانطباع ضوء الشمس على المقدار البادي منه للأرض. ولأنّ المنازل التي يحلّ فيها بعدد ليالي الشهر هي منازل فرضية بمرأى العين على حسب مسامتته الأرض من ناحية إحدى تلك الكُتل من الكواكب، التي تبدو للعين مجتمعة، وهي في نفس الأمر لها أبعاد متفاوتة لا تآلف بينها ولا اجتماع، ولأنّ طلوع الهلال في مثل الوقت الذي طلع فيه قبلَ أحد عشر طلوعاً من أي وقت ابتُدىءَ منه العد من أوقات الفصول، إنّما هو باعتبار أحوال أرضية.
فلا جرم كان نظام الأشهر القمرية وسنَتُها حاصلاً من مجموع نظام خلق الأرض وخلق السماوات، أي الأجرام السماوية وأحوالها في أفلاكها، ولذلك ذكرت الأرض والسماوات معاً.
وهذه الأشهر معلومة بأسمائها عند العرب، وقد اصطلحوا على أن جعلوا ابتداء حسابها بعد موسم الحجّ، فمبدأ السنة عندهم هو ظهور الهلال الذي بعد انتهاء الحجّ وذلك هلال المحرّم، فلذلك كان أول السنة العربية شهر المحرم بلا شكّ، ألا ترى قول لبيد :
حتى إذا سَلَخَا جمادَى سِتةً
جَزْءا فطَال صيامُه وصِيامها
أراد جمادى الثانية فوصفه بستّة لأنّه الشهر السادس من السنة العربية.
وقرأ الجمهور ) اثنا عشر ( بفتح شين ) عشر ( وقرأه أبو جعفر ) اثنا عْشَرَ ( بسكون عين ) عشر ( مع مدّ ألف اثنا مُشْبَعاً.
والأربعة الحرم هي المعروفة عندهم : ثلاثة منها متوالية لا اختلاف فيها بين العرب وهي ذو القعدة وذو الحجة والمحرّم، والرابع فرد وهو رجب عند جمهور العرب، إلاّ ربيعة فهم يجعلون الرابع رمضان ويسمّونه رَجَباً، وأحسب أنّهم يصفونه بالثاني مثل ربيع وجمادى، ولا اعتداد بهؤلاء لأنّهم شذّوا كما لم يعتدّ بالقبيلة التي كانت تُحلّ أشهر السنة كلَّها، وهي قضاعة. وقد بيّن إجمال هذه الآية النبي ( ﷺ ) في خطبة حجّة الوداع بقوله :( منها أربعة حرم ( ( ذو القعدة وذو الحجّة والمحرم ورجب مُضر الذي بين جمادى وشعبان ).


الصفحة التالية
Icon