" صفحة رقم ٦ "
وقد اضطربت أقوال المفسّرين قديماً في المراد من المغنم في هذه الآية، ولم تنضبط تقارير أصحاب التفاسير في طريقة الجمع بين كلامهم على تفاوت بينهم في ذلك، ومنهم من خلطها مع آية سورة الحشر، فجعل هذه ناسخة لآية الحشر والعكس، أو أنّ إحدى الآيتين مخصّصة للأخرى : إمّا في السهام، وإمّا في أنواع المغانم، وتفصيل ذلك يطول. وتردّدوا في مسمّى الفيء فصارت ثلاثة أسماء مجالاً لاختلاف الأقوال : النفَل، والغنيمة، والفيء.
والوجه عندي في تفسير هذه الآية، واتّصالها بقوله :( يسألونك عن الأنفال ( ( الأنفال : ١ ) أنَّ المراد بقوله :( ما غنمتم ( في هذه الآية : ما حصلتم من الغنائم من متاع الجيش، وذلك ما سمّي بالأنفال، في أوّل السورة، فالنفل والغنيمة مترادفان، وذلك مقتضى استعمال اللغة، فعن ابن عبّاس، ومجاهد، والضحاك، وقتادة، وعكرمة، وعطاء : الأنفال الغنائم. وعليه فوجه المخالفة بين اللفظين إذ قال تعالى هنا ) غنمتم ( وقال في أوّل السورة ( الأنفال : ١ ) :( يسألونك عن الأنفال ( لاقتضاء الحال التعبيرَ هنا بفعللٍ، وليس في العربية فعل من مادّة النفَل يفيد إسناد معناه إلى من حَصَل له، ولذلك فآية ) واعلموا أنما غنمتم ( سيقت هنا بياناً لآية ) يسألونك عن الأنفال فإنّهما وردتا في انتظام متّصل من الكلام. ونرى أنّ تخصيص اسم النفَل بما يعطيه أميرُ الجيش أحدَ المقاتلين زائداً على سهمه من الغنيمة سواء كان سلبَاً أو نحوه ممّا يسعه الخمس أو من أصل مال الغنيمة على الخلاف الآتي، إنّما هو اصطلاح شاع بين أمراء الجيوش بعد نزول هذه الآية، وقد وقع ذلك في كلام عبد الله بن عمر، وأمّا ما روي عن ابن عبّاس : أنّ الأنفال ما يصل إلى المسلمين بغير قتال، فجعلها بمعنى الفيء، فمحمله على بيان الاصطلاح الذي اصطلحوا عليه من بعد.
وتعبيرات السلف في التفرقة بين الغنيمة والنفل غير مضبوطة، وهذا ملاك الفصل في هذا المقام لتمييز أصناف الأموال المأخوذة في القتال، فأما صور قسمتها فسيأتي بعضها في هذه الآية.
فاصطلحوا على أنّ الغنيمة، ويُقال : لها المغنم، ما يأخذه الغزاة من أمتعة المقاتلين غصباً، بقتل أو بأسر، أو يقتحمون ديارهم غازين، أو مايتركه الأعداء


الصفحة التالية
Icon