" صفحة رقم ١٠٠ "
ومعنى اطمئنوا بها ( سكنت أنفسهم وصرفوا هممهم في تحصيل منافعها ولم يسعوا لتحصيل ما ينفع في الحياة الآخرة، لأن السكون عند الشيء يقتضي عدم التحرك لغيره. وعن قتادة : إذا شئت رأيت هذا الموصوفَ صاحب دنيا، لها يرضى، ولها يغضب، ولها يفرح، ولها يهتم ويحزن.
والذين هم غافلون هم عين الذين لا يرجون اللقاء، ولكن أعيد الموصول للاهتمام بالصلة والإيماء إلى أنها وحدها كافية في استحقاق ما سيذكر بعدها من الخبر. وإنما لم يعد الموصول في قوله :( ورضوا بالحياة الدنيا ( لأن الرضى بالحياة الدنيا من تكملة معنى الصلة التي في قوله :( إن الذين لا يرجون لقاءنا ).
والمراد بالغفلة : إهمال النظر في الآيات أصلاً، بقرينة المقام والسياق وبما تومىء إليه الصلة بالجملة الاسمية ) هم عن آياتنا غافلون ( الدالة على الدوام، وبتقديم المجرور في قوله ) عن آياتنا غافلون ( من كون غفلتهم غفلة عن آيات الله خاصة دون غيرها من الأشياء فليسوا من أهل الغفلة عنها مما يدل مجموعه على أن غفلتهم عن آيات الله دأب لهم وسجية، وأنهم يعتمدونها فتؤول إلى معنى الإعراض عن آيات الله وإباء النظر فيها عناداً ومكابرة. وليس المراد مَن تعرِض له الغفلة عن بعض الآيات في بعض الأوقات.
وأعقب ذلك باسم الإشارة لزيادة إحضاء صفاتهم في أذهان السامعين، ولما يؤذن به مجيء اسم الإشارة مبتدأ عقب أوصاف من التنبيه على أن المشار إليه جدير بالخبر من أجْل تلك الأوصاف كقوله تعالى :( أولئك على هدى من ربهم في سورة البقرة ( ٥ ).
والمأوى : اسم مكان الإيواء، أي الرجوع إلى مصيرهم ومرجعهم.
والباء للسببية. والإتيان ب ( ما ) الموصولة في قوله : بما كسبوا ( للإيماء إلى علة الحكم، أي أن مكسوبهم سَبب في مصيرهم إلى النار، فأفاد تأكيد السببية المفادة بالباء.
والإتيان ب ( كان ) للدلالة على أن هذا المكسوب ديدنهم.
والإتيان بالمضارع للدلالة على التكرير، فيكون ديدنهم تكرير ذلك الذي كسبوه.


الصفحة التالية
Icon