" صفحة رقم ١٠٦ "
وكان المؤمنون ربما تمنوا نزول العذاب بالمشركين واستبطأوا مجيء النصر للنبيء عليه الصلاة والسلام وأصحابه كما جاء في الحديث : أنَّ المسلمين قالوا : ألا تستنصر. وربما عجب بعضهم من أن يرزق الله المشركين وهم يكفُرون به. فلما جاءت آيات هذه السورة بقوارع التهديد للمشركين أعقبت بما يزيل شبهاتهم ويطمئن نفوس المؤمنين بما يجمَعه قوله :( ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير لقضي إليْهم أجلهم ).
وهو إجمال ينبىء بأن الله جعل نظام هذا العالم على الرفق بالمخلوقات واستبقاء الأنواع إلى آجال أرادها، وجعل لهذا البقاء وسائل الإمداد بالنعم التي بها دوام الحياة، فالخيرات المُفاضة على المخلوقات في هذا العالم كثيرة، والشرور العارضة نادرة ومعظمها مسبب عن أسباب مجعولة في نظام الكون وتصرفات أهله، ومنها ما يأتي على خلاف العادة عند محل آجاله التي قدرها الله تعالى بقوله :( لكل أمة أجل ( ( يونس : ٤٩ ) وقوله :( لكل أجل كتاب ( ( الرعد : ٣٨ ).
فهذه الجملة معطوفة على جملة ) إن الذين لا يرجون لقاءنا ( ( يونس : ٧ ) الآية، فحيث ذكر عذابهم الذي هم آيلون إليه ناسب أن يبين لهم سبب تأخير العذاب عنهم في الدنيا لتكشف شبهة غرورهم وليعلم الذين آمنوا حكمةً من حكم تصرف الله في هذا الكون. والقرينة على اتصال هذه الجملة بجملة ) إن الذين لا يرجون لقاءنا ( ( يونس : ٧ ) قولُه في آخر هذه ) فنذَر الذين لا يرجون لقاءنا في طغيانهم يعمهون ).
فبينت هذه الآية أن الرفق جعله الله مستمراً على عباده غير منقطع عنهم لأنه أقام عليه نظام العالم إذْ أراد ثَبات بنائِه، وأنه لم يقدّر توازيَ الشر في هذا العالم بالخير لطفاً منه ورفقاً، فالله لطيف بعباده، وفي ذلك منة عظيمة عليهم، وأن الذين يستحقون الشر لو عُجل لهم ما استحقوه لبطل النظام الذي وضع عليه العالم.
والناس : اسم عام لجميع الناس، ولكن لما كان الكلام على إبطال شبهة المشركين وكانوا المستحقين للشرّ كانوا أولَ من يتبادر من عموم الناس، كما زاده تصريحاً قوله :( فنذر الذين لا يرجون لقاءنا في طغيانهم يعمهون ).


الصفحة التالية
Icon