" صفحة رقم ١٢٧ "
جملة معترضة بين جملة ) يعبدون ( ( يونس : ١٨ ) وجملة :( ويقولون لولا أنزل عليه آية من ربه ( ( يونس : ٢٠ ). ومناسبة الاعتراض قوله :( قل أتنبئون الله بما لا يعلم ( لأن عبادة الأصنام واختراع صفة الشفاعة لها هو من الاختلاف الذي أحدثه ضلال البشر في العقيدة السليمة التي فطر الله الناس عليها في أول النشأة، فهي مما يشمله التوبيخ الذي في قوله :( أتنبئون الله بما لا يعلم في السماوات ولا في الأرض ( ( يونس : ١٨ ).
وصيغة القصر للمبالغة في تأكيد الخبر لأنه خبر مهم عجيب هو من الحِكم العُمرانية والحقائق التاريخية بالمكان الأسمى، إذ القصر تأكيد على تأكيد باعتبار اشتماله على صيغتي إثبات للمثبَت ونفي عما عداه، فهو أقوى من تأكيد رد الإنكار، ولذلك يؤذن برد إنكار شديد.
وحسَّن القصر هنا وقوعه عقب الجدال مع الذين غيروا الدين الحق وروجوا نحلتهم بالمعاذير الباطلة كقولهم :( هؤلاء شفعاؤنا عند الله ( ( يونس : ١٨ )، وقوله :( ما نبعدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى ( ( الزمر : ٣ )، بخلاف آية سورة البقرة ( ٢١٣ ) ) كان الناس أمة واحدة فإنها وقعت في سياق المجادلة مع أهل الكتاب لقوله : سل بني إسرائيل كم آتيناهم من آية بينة ( ( البقرة : ٢١١ ) وأهل الكتاب لا ينكرون أن الناس كانوا أمة واحدة. فآية هذه السورة تشير إلى الوحدة الاعتقادية ولذلك عبر عن التفرق الطارىء عليها باعتبار الاختلاف المشعر بالمذمة والمعقب بالتخويف في قوله :( ولولا كلمة سبقت ( إلى آخره، وآية سورة البقرة تشير إلى الوحدة الشرعية التي تجمعها الحنيفية الفطرية، ولذلك عبر عن التفرق الذي طرأ عليها بأن الله بعث النبيئين مبشرين ومنذرين، ثم جاء ذكر الاختلاف عرضاً عقب ذلك بقوله :( وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه ( ( البقرة : ٢١٣ ). وأريد به الاختلاف بين أتباع الشرائع لقوله :( وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه ( ( البقرة : ٢١٣ ).
وتقدم القول في ) كان الناس أمة واحدة في سورة البقرة ( ٢١٣ ).
والناس : اسم جمع للبشر. وتعريفه للاستغراق. والأمة : الجماعة العظيمة التي لها حال واحد في شيء مَّا.