" صفحة رقم ١٣٠ "
و ( لولا ) في قوله :( لولا أنزل عليه آية من ربه ( حرف تحْضيض، وشأن التحْضيض أن يواجه به المحضض لأن التحضيضَ من الطلب وشأنُ الطلب أن يواجَه به المطلوب، ولذلك كان تعلق فعل الإنزال بضمير الغائب في هذه الآية مُؤولاً بأحد وجهين :
إما أن يكون التفاتاً، وأصل الكلام : لولا أنزل عليكَ، وهو من حكاية القول بالمعنى كقوله تعالى :( قل لعبادي الذين آمنوا يُقيموا الصلاة ( ( إبراهيم : ٣١ ) أي قل لهم أقيموا، ونكتة ذلك نكتة الالتفات لتجديد نشاط السامع.
وإما أن يكون هذا القول صدر منهم فيما بينهم ليبين بعضُهم لبعض شبهة على انتفاء رسالة محمد ( ﷺ ) أو صدر منهم للمسلمين طمعاً في أن يردوهم إلى الكفر.
والآيةُ : علامة الصدق. وأرادوا خارقاً للعادة على حسب اقتراحهم مثل قولهم :( أو ترقى في السماء ( ( الإسراء : ٩٣ ) وقولهم :( لولا أوتي مثلَ ما أوتي موسى ( ( القصص : ٤٨ ) وهذا من جهلهم بحقائق الأشياء وتحكيمهم الخيال والوهَم في حقائق الأشياء، فهم يفرضون أن الله حريص على إظهار صدق رسوله ( ﷺ ) وأنه يستفزّه تكذيبهم إياه فيغضب ويسرع في مجاراة عنادهم ليكفوا عنه، فإن لم يفعل فقد أفحموه وأعجزوه وهو القادر، فتوهموا أن مدعي الرسالة عنه غير صادق في دعواه وما دَرَوا أن الله قَدر نظام الأمور تقديراً، ووضع الحقائق وأسبابها، وأجرى الحوادث على النظام الذي قدره، وجعل الأمور بالغة مواقيتها التي حدد لها، ولا يضره أن يُكذّب المكذّبون أو يعاند الجاهلون وقد وضع لهم ما يليق بهم من الزواجر في الآخرة لا محالة، وفي الدنيا تارات، كل ذلك يجري على نُظم اقتضتها الحكمةُ لا يحمله على تبديلها سُؤال سائل ولا تسفيه سفيه. وهو الحكيم العليم.
فهم جعلوا استمرار الرسول ( ﷺ ) على دعوتهم بالأدلة التي أمره الله أن يدعوهم بها وعدم تبديله ذلك بآيات أخرى على حسب رغبتهم جعلوا كل ذلك دليلاً على أنه غير مؤيد من الله فاستدلوا بذلك على انتفاء أن يكون الله أرسله، لأنه لو أرسله لأيَّده بما يوجب له القبول عند المرسَل إليهم. وما درى المساكين أن الله إنما أرسل الرسول ( ﷺ ) رحمة بهم


الصفحة التالية
Icon