" صفحة رقم ١٤٣ "
وفي معنى الغاية المستفادِ من ( حتى ) ما يؤذن بأن بين مبدأ ظهور لذات الحياة وبين منتهاها مراتب جمة وأطواراً كثيرة، فذلك طوي في معنى ( حتى ).
وقوله :( ليلاً أو نهاراً ( ترديد في الوقت لإثارة التوقع من إمكان زوال نضارة الحياة في جميع الأزمنة لأن الشيء الموقت بمعين من التوقيت يكون الناس في أمن من حلوله في غير ذلك الوقت.
والزخرف : اسم الذهب. وأطلق على ما يتزين به مما فيه ذهب وتلوين من الثياب والحلي.
وإطلاق أخذ الأرض زخرفها على حصول الزينة فيها استعارةٌ مكنية. شبهت الأرض بالمرأة حين تريد التزين فتُحضر فاخر ثيابها من حلي وألوان. والعرب يطلقون على ذلك التناول اسم الأخذ، قال تعالى :( يا بني آدم خُذوا زينتكم عند كل مسجد ( ( الأعراف : ٣١ )، وقال بشار بن برد :
وخُذي ملابس زينة
ومُصَبَّغات وهي أفخر
وذكر ) ازينت ( عقب ) زخرفها ( ترشيح للاستعارة، لأن المرأة تأخذ زخرفها للتزين. و ) ازّينت ( أصله تزينت فقلبت التاء زَاياً ؛ لتدغم في الزاي فسكنت وأدغمت واجتلبت همزة الوصل لأجل النطق بالساكن.
واعلم أن في قوله تعالى :( أتاها أمرنا ليلاً أو نهاراً فجعلناها حصيداً ( إشارة لإرادة الاستئصال فهو ينذر بالتهديد للكافرين ويجعل التمثيل أعلق بحياتهم، كقوله تعالى :( حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون ( ( الأنعام : ٤٤ ) لا سيما وقد ضرب هذا المثل لتمتع الكافرين ببغيهم وإمهالهم عليه، ويزيد تلك الإشارة وضوحاً قوله :( وظن أهلها أنهم قادرون عليها ( المؤذنُ بأن أهلها مقصودون بتلك الإصابة.
ومعنى :( أنهم قادرون عليها ( أنهم مستمرون على الانتفاع بها محصلون لثمراتها، فأطلق على التمكن من الانتفاع ودوامه لفظ القدرة على وجه الاستعارة.


الصفحة التالية
Icon