" صفحة رقم ١٥٧ "
المأمور به النبيءُ عليه الصلاة والسلام، فنزل فعل ) قل ( منزلة الشرط فكأنه قيل : إن تَقل من يرزقكم من السماء والأرض فسيقولون الله، ومنه قوله تعالى :( قل كونوا حجارة أو حديداً أو خلقاً مما يكبر في صدوركم فسيقولون من يعيدنا ( ( الإسراء : ٥١، ٥٢ ). وهذا الاستعمال نظير تنزيل الأمر من القول منزلة الشرط في جزم الفعل المقول بتنزيله منزلة جواب الشرط كقوله تعالى :( قل لعباديَ الذين آمنوا يقيمُوا الصلاة ( ( إبراهيم : ٣١ ) وقوله :( وقل لعبادِي يقولوا التي هي أحسن ( ( الإسراء : ٥٣ ). التقدير : إن تقل لهم أقيموا الصلاة يقيموا وإن تقل لهم قولوا التي هي أحسن يقولوا. وهو كثير في القرآن على رأي المحققين من النحاة وعادة المعربين أن يُخَرّجوه على حذف شرط مقدر دل عليه الكلام. والرأيان متقاربان إلا أن ما سلكه المحققون تقدير معنى والتقدير عندهم اعتبار لا استعمال، وما سلكه المعربون تقدير إعراب والمقدر عندهم كالمذكور.
ولو لم ينزل الأمر بمنزلة الشرط لما جَاءت الفاء كما في قوله تعالى :( قل لِمَن الأرضُ ومن فيها إن كنتم تعلمون سيقولون لله ( ( المؤمنون : ٨٤، ٨٥ ) الآيات.
والفاء في قوله :( فقل ( فاء الفصيحة، أي إن قالوا ذلك فقل أفلا تتقون. والفاء في قوله :( أفلا تتقون ( فاء التفريع، أي يتفرع على اعترافكم بأنه الفاعل الواحد إنكار عدم التقوى عليكم. ومفعول ) تتقون ( محذوف، تقديره تتقونه، أي بتنزيهه عن الشريك.
وإنما أخبر الله عنهم بأنهم سيعترفون بأن الرازق والخالق والمدبر هو الله لأنهم لم يكونوا يعتقدون غير ذلك كما تكرر الإخبار بذلك عنهم في آيات كثيرة من القرآن. وفيه تحدّ لهم فإنهم لو استطاعوا لأنكروا أن يكون ما نسب إليهم صحيحاً، ولكن خوفهم عار الكذب صرفهم عن ذلك فلذلك قامتْ عليهم الحجة بقوله :( فقل أفلا تتقون ).