" صفحة رقم ١٥٩ "
إلا الضلال إذ لا واسطة بينهما. فلما كان الله هو الرب الحق تعين أن غيره مما نسبت إليه الإلهية باطل. وعبر عن الباطل بالضلال لأن الضلال أشنع أنواع الباطل.
والفاء في ) فأنَّى تصرفون ( للتفريع أيضاً، أي لتفريع التصريح بالتوبيخ على الإنكار والإبطال.
و ) أنَّى ( استفهام عن المكان، أي إلى مكان تَصرفكم عقولكم. وهو مكان اعتباري، أي أنكم في ضلال وعماية كمن ضل عن الطّريق ولا يجد إلا من ينعت له طريقاً غير موصلة فهو يُصرف من ضلال إلى ضلال. قال ابن عطية : وعبارة القرآن في سوق هذه المعاني تفوق كل تفْسير براعة وإيجازاً ووضوحاً.
وقد اشتملت هذه الآيات على تسع فاءات من قوله :( فسيقولون الله ( : الأولى جوابية، والثانية فصيحة، والبواقي تفريعية.
٣٣ ) ) كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُو اْ أَنَّهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ (
تذييل للتعجيب من استمرارهم على الكفر بعدما ظهر لهم من الحجج والآيات، وتأييس من إيمانهم بإفادة أن انتفاء الإيمان عنهم بتقدير من الله تعالى عليهم فقد ظهر وقوع ما قدره من كلمته في الأزل. والكاف الداخلة قبل اسم الإشارة كاف التشبيه. والمشبه به هو المشار إليه، وهو حالهم وضلالهم، أي كما شاهدتَ حقَّت كلمة ربك، يعني أن فيما شاهدتَ ما يبين لك أن قد حقت كلمة ربك عليهم أنهم لا يؤمنون.
وقوله :( أنهم لا يؤمنون ( بَدل من ( كلِمة ) أو ) من كلمات. والمراد مضمون جملة أنهم لا يؤمنون ).
وقرأ نافع، وابن عامر ) كلمات ربك ( بالجمع. وقرأها الباقون بالإفراد، والمعنى واحد لأن الكلمة تطلق على مجموع الكلام كقوله تعالى :( كلا إنها كلمة هو قائلها ( ( المؤمنون : ١٠٠ )، ولأن