" صفحة رقم ١٦٦ "
والظن كثر إطلاقه في القرآن والسنة على العلم المخطىء أو الجهل المركب والتخيلات الباطلة، قال النبي عليه الصلاة والسلام :( إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث ). وقد يطلق على الظن الحصيبي كقوله تعالى :( ظَنَّ المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيراً ( ( النور : ١٢ ) وقوله تعالى :( إن بعض الظن إثم ( ( الحجرات : ١٢ ). وهذا المعنى هو المصطلح عليه عند علماء أصول الدين وأصول الفقه. وهو العلم المستند إلى دليل راجح مع احتمال الخطإ احتمالاً ضعيفاً. وهذا الظن هو مناط التكليف بفروع الشريعة.
فوجه الجمع بين هذه المتعارضات إعمال كل في مورده اللائق به بحسب مقامات الكلام وسياقه، فمحمل قوله هنا :( إن الظن لا يغني مِن الحق شيئاً ( أن العلم المشوب بشك لا يغني شيئاً في إثبات الحق المطلوب وذلك ما يطلب فيه الجزم واليقينُ من العلوم الحاصلة بالدليل العقلي لأن الجزم فيها ممكن لمن أعمل رأيه إعمالاً صائباً إذ الأدلة العقلية يحصل منها اليقين، فأما ما طريق تحصيله الأدلة الظاهرة التي لا يتأتى اليقين بها في جميع الأحوال فذلك يكتفي فيه بالظن الراجح بعد إعمال النظر وهو ما يسمى بالاجتهاد.
و ) ظناً ( منصوب على المفعولية به ل ) يتبع ). ولما كان الظن يقتضي مظنوناً كان اتباع الظن اتباعاً للمظنون أي يتبعون شيئاً لا دليل عليه إلا الظن، أي الإعتقاد الباطل.
وتنكير ) ظناً ( للتحقير، أي ظناً واهياً. ودلت صيغة القصر على أنهم ليسوا في عقائدهم المنافية للتوحيد على شيء من الحق رداً على اعتقادهم أنهم على الحق.
وجملة :( إن الظن لا يغني من الحق شيئاً ( تعليل لما دل عليه القصر من كونهم ليسوا على شيء من الحق فكيف يزعمون أنهم على الحق.
والحق : هو الثابت في نفس الأمر. والمراد به هنا معرفة الله وصفاته مما دل عليها الدليل العقلي مثل وجوده وحياته، وما دل عليها فعل الله مثلُ العلم والقدرة والإرادة.
و ) شيئاً ( مفعول مطلق مؤكد لعامله، أي لا يغني شيئاً من الإغناء.
و ) مِن ( للبدلية، أي عوضاً عن الحق.
وجملة :( إن الله عليم بما يفعلون ( استئناف للتهديد بالوعيد.


الصفحة التالية
Icon