" صفحة رقم ١٦٩ "
والافتراء : الكذب، وتقدم في قوله :( ولكنَّ الذين كفروا يفترون على الله الكذب في سورة العقود ( ١٠٣ ).
ولما نفي عن القرآن الافتراء أخبر عنه بأنه تصديق وتفصيلٌ، فجرت أخباره كلها بالمصدر تنويهاً ببلوغه الغاية في هذه المعاني حتى اتحد بأجناسها.
وتصديق الذي بين يديه ( كونُه مصدقاً للكتب السالفة، أي مبيّناً للصادق منها ومييزاً له عما زيد فيها وأسيء من تأويلها كما قال تعالى :( مصدقاً لما بين يديه من الكتاب ومهيمناً عليه كما تقدم في سورة العقود ( ٤٨ ). وأيضاً هو مصدَّق ( بفتح الدال ) بشهادة الكتب السالفة فيما أخذت من العهد على أصحابها أن يؤمنوا بالرسول الذي يجيء مصدقاً وخاتماً. فالوصف بالمصدر صالح للأمرين لأن المصدر يقتضي فاعلاً ومفعولاً.
والتفصيل : التبيين بأنواعه. والظاهر أن تعريف الكتاب ( تعريف الجنس فيستغرق الكتب كلها. ومعنى كون القرآن تفصيلاً لها أنه مبين لما جاء مجملاً في الكتب السالفة، وناسخ لما لا مصلحة للناس في دوام حكمه، ودافع للمتشابهات التي ضل بها أهل الكتاب، فكل ذلك داخل في معنى التفصيل، وهو معنى قوله تعالى :( ومهيمناً عليه في سورة العقود ( ٤٨ ). وهذا غير معنى قوله : وتفصيلَ كل شيء ( ( يوسف : ١١١ ) في الآية الأخرى.
وجملة :( لا ريب فيه مستأنفة ردت مزاعم الذين زعموا أنه مفترى باقتلاع دعوى افترائه، وأنها مما لا يروج على أهل الفِطن والعقوللِ العادلة، فالريب المنفي عنه هو أن يكون من أحواله في ذاته ومقارناته ما يثير الريب، ولذلك كان ريب المرتابين فيه ريباً مزعوماً مدعًى وهو لو راجعوا أنفسهم لوجدوها غير مرتابة. وقد تقدم القول في نظير هذا في طالعة سورة البقرة ( ٢ ).
وموقع قوله : من رب العالمين ( محتمل وجوهاً أظهرها أنه ظرف مستقر في موضع الخبر عن مبتدإ محذوف هو ضمير القرآن، والجملة استئناف ثان، و ( مِن ) ابتدائية تؤذن بالمجيء، أي هو وارد من رب العالمين، أي من وحيه وكلامِه، وهذا مقابل قوله :( من دون الله ).