" صفحة رقم ٢٥٨ "
معارضة الحق الذي يسوءهم ومحاولة دحضه وهم جماعة أقوياء يصعب عليهم الصعب فأعلمهم أن الله خاذلهم.
وأراد ( بالمجرمين ) فرعون وملأه فعدل عن ضمير الخطاب إلى الاسم الظاهر لما فيه من وصفهم بالإجرام تعريضاً بهم. وإنما لم يخاطبهم بصفة الإجرام بأن يقول : وإن كرهتم أيها المجرمون عدولاً عن مواجهتهم بالذم، وقوفاً عند أمر الله تعالى إذ قال له : فقولا له قولاً ليناً ( ( طه : ٤٤ ) فأتى بالقضية في صورة قضية كلية وهو يريد أنهم من جزئياتها بدون تصريح بذلك. وهذا بخلاف مقام النبي محمد ( ﷺ ) إذ قال الله له :( قل أفغير الله تأمروني أعبد أيها الجاهلون ( ( الزمر : ٦٤ ) لأن ذلك كان بعد تكرير دعوتهم، وموسى عليه السلام كان في ابتداء الدعوة. ولأن المشركين كانوا محاولين من النبي أن يعبد آلهتهم، فكان في مقام الإنكار بأبلغ الرد عليهم، وموسى كان محاولاً فرعونَ وملأه أن يؤمنوا، فكان في مقام الترغيب باللين.
٨٣ ) ) فَمَآ ءامَنَ لِمُوسَى إِلاَّ ذُرِّيَّةٌ مِّن قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِّن فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَن يَفْتِنَهُمْ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الاَْرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ (
تفريع على ما تقدم من المحاورة، أي فتفرع على ذلك أن فرعون وملأه لم يؤمنوا بموسى لأن حصر المؤمنين في ذرية من قوم موسى يفيد أن غيرهم لم يؤمنوا وهو المقصود، فكانت صيغة القصر في هذا المقام إيجازاً. والتقدير : تفرع على ذلك تصميم على الإعراض.
وقد طوي ما حدث بين المحاورة وبين تصميمهم على الإعراض، وهو إلقاء موسى عصاه والتقامُها ما ألقوه من سحرهم، لعدم تعلق الغرض ببيان ذلك إذ