" صفحة رقم ٢٦٢ "
وأراد إثارة صدق إيمانهم وإلهابَ قلوبهم بجعل إيمانهم معلقاً بالشرط محتمل الوقوع، حيث تخوفوا من فرعون أن يفتنهم فأرادوا أن يكتموا إيمانهم تقية من فرعون وملئهم، وإنما جَعل عدم اكتراثهم ببطش فرعون علامة على إيمانهم لأن الدعوة في أول أمرها لا تتقوم إلا بإظهار متبعيها جماعتَهم، فلا تغتفر فيها التقية حينئذٍ. وبذلك عمل المسلمون الأولون مثل بلال، وعمار، وأبي بكر، فأعلنوا الإيمان وتحملوا الأذى، وإنما سوغت التقية للآحاد من المؤمنين بعد تقوم جامعة الإيمان فذلك محل قوله تعالى :( من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ( ( النحل : ١٠٦ ).
فتقديم المجرور على متعلقه في قوله :( فعليه توكلوا ( لإفادة القصر، وهو قصر إضافي يفسره قوله :( على خوف من فرعون وملئهم أن يفتنهم ( ( يونس : ٨٣ )، فآل المعنى إلى نهيهم عن مخافة فرعون.
والتوكلُ : تقدم آنفاً في قصة نوح.
وجملة :( إن كنتم مسلمين ( شرط ثان مؤكد لشرط ) إن كنتم آمنتم بالله (، فحصل من مجموع الجملتين أن حصول هذا التوكل متوقف على حصول إيمانهم وإسلامهم، لمزيد الاعتناء بالتوكل وأنه ملازم للإيمان والإسلام، ومبين أيضاً للشرط الأول، أي إن كان إيمانكم إيمان مسلم لله، أي مخلص له غير شائب إياه بتردد في قدرة الله ولا في أن وعده حق، فَحصَل من مجموع الشرطين ما يقتضي تعليق كل من الشرطين على الشرط الآخر.
وهذا من مسألة تعليق الشرط على الشرط، والإيمان : تصديق الرسول فيما جاء به وهو عمل قلبي، ولا يعتبر شرعاً إلا مع الإسلام، والإسلامُ : النطق بما يدل على الإيمان ولا يعتبر شرعاً إلا مع الإيمان، فالإيمان انفعال قلبي نفساني، والإسلام عمل جسماني، وهما متلازمان في الاعتداد بهما في اتّباع الدين إذ لا يعلم حصول تصديق القلب إلا بالقول والطاعة، وإذ لا يكون القول حقاً إلا إذا وافق ما في


الصفحة التالية
Icon