" صفحة رقم ٢٧١ "
الحياة تفكروا في سبب ذلك، فعجَّلوا بالنَّوبة إلى الله كما هو معتاد النفوس الغافلة قال تعالى :( وإذا مسّ الإنسان ضر دعا ربَّه منيباً إليه ( ( الزمر : ٨ ).
ويجوز أن يكون ) اشدد ( من الشد، وهو الهجوم. يقال : شد عليه، إذا هجم، وذلك أن قلوبهم في حالة النعمة والدعة آمنة ساكنة فدعا الله أن يشد عليهم بعذابه، تمثيلاً لحال إصابة نفوسهم بالأكدار والأحزان بحال من يَشُد على عدوّه ليقتله وهو معنى قوله تعالى :( وأجْلب عليهم بخيلك ورجلك ( ( الإسراء : ٦٤ ) أي طوّعهم لحكمك وسَخّرهم.
وبهذا يظهر أن موقع الفاء في قوله :( فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم ( أن تكون فاء السببية في جواب الدعاء، أي افعَلْ بهم ذلك ليؤمنوا. والفعل منصوب بأن مضمرة إضماراً واجباً بعد فاء السببية.
فقوله :( فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب ( في قوة أن يقال : فيؤمنوا حين يرون العذاب لا قَبْل ذلك.
وإنما عدل عن إيقاع جواب الدعاء بصيغة إثبات الإيمان، إلى إيراده بصيغة نفي مُغيّا بغاية هي رؤية العذاب سلوكاً لأسلوب بديع في نظم الكلام لأنه أراد أن يجمع بين ترتيب الجواب على الدعاء وبين ما استبان له من طبع نفوسهم بطبع أنهم لا تنفع فيهم الحجج وأن قساوة قلوبهم وشراسة نفوسهم لا تذللها إلا الآلام الجسدية والنفسانية، وكل ذلك علاجٌ بما هو مظنة إيصالهم من طرق الضغط والشدة حيث لم تُجْد فيهم وسائل الحجة، فقال :( فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم ( أي أن شأنهم ذلك، وهذا إيجاز بديع إذ جمع في هذا التركيب جواب الدعاء وبيانَ علة الدعاء عليهم بذلك. وأصل الكلام : فيؤمنوا فإنهم لا يؤمنون إلا إذا رأوا العذاب الأليم.
والمقصود من جواب فعل الدعاء هو غاية الجواب التي بعد حتى، فتلك هي مصب الجواب. وهذا الوجه في تفسير الآية وجه لا ترهقه غبرة الإشكال، ولا يعسر