" صفحة رقم ٢٨٣ "
وما جاءهم من العلم يجوز أن يكون ما جاءهم به الأنبياء من شرع الله فلم يعملوا بما جاؤوهم به، وأعظم ذلك تكذيبهم بمحمد عليه الصلاة والسلام.
فعن ابن عباس : هم اليهود الذين كانوا في زمن النبي محمد ( ﷺ ) كانوا قبل مبعثه مقرين بنبيء يأتي، فلما جاءهم العلم، وهو القرآن اختلفوا في تصديق محمد عليه الصلاة والسلام، قال ابن عباس : هم قريظة والنضير وبنو قينقاع.
ويجوز أن يكون العلم هو القرآن، وعلى هذا الوجه يكون معنى الآية كمعنى قوله :( إنّ الدين عند الله الإسلام وما اختلف الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءهم العلم بغياً بينهم ( ( آل عمران : ١٩ )، وقوله :( وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة ( ( البينة : ٤ ) فإن البينة هي محمد ( ﷺ ) لأن قبل هذا قوله :( لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين حتى تأتيهم البينة رسول من الله يتلوا صحفاً مطهّرة ( ( البينة : ١، ٢ ) الآية. وقال تعالى :( فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به ( ( البقرة : ٨٩ ).
وهذا المحمل هو المناسب لحرف ( حتى ) في قوله تعالى :( فما اختلفوا حتى جاءهم العلم ).
وتعقيبُ ) فما اختلفوا ( بالغاية يؤذن بأنّ ما بعد الغاية منتهى حالة الشكر، أي فبقوا في ذلك المُبَوّأ، وفي تلك النعمة، حتى اختلفوا فسلبت نعمتهم فإن الله سلبهم أوطانهم.
وجملة :( إن ربّك يقضي بينهم يوم القيامة ( تذييل وتوعد، والمقصود منه : أن أولئك قوم مضَوا بما عملوا وأن أمرهم إلى ربهم كقوله :( تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ( ( البقرة : ١٣٤ )، وفيه إيماء إلى أن على الحاضرين اليوم أن يفكروا في وسائل الخلاص من الضلال والوقوع في المؤاخذة يوم القيامة.
و ( بينَ ) ظرفُ مكان للقضاء المأخوذ من فعل ( يَقضي ) ففعل القضاء كأنه متخلّل بينهم لأنه متعلق بتبيين المحق والمبطل.