" صفحة رقم ٨٨ "
ولذلك حسن وقع جملة ) ما من شفيع إلا من بعد إذنه ( عقب جملة :( الذي خلق ( بتمامها، لأن المشركين جعلوا آلهتهم شفعاء فإذا أنذروا بغضب الله يقولون :( هؤلاء شفعاؤنا عند الله ( ( يونس : ١٨ )، أي حُماتنا من غضبه. فبعد أن وُصف الإله الحق بما هو منتف عن آلهتهم نُفِي عن آلهتهم وصْف الشفاعة عند الله وحماية المغضوب عليهم منه.
وأكد النفي ب ) من ( التي تقع بعد حرف النفي لتأكيد النفي وانتفاء الوصف عن جميع أفراد الجنس الذي دخلت ( من ) على اسمه بحيث لم تبق لآلهتهم خصوصية.
وزيادة ) إلاّ مِنْ بعد إذنه ( احتراس لإثبات شفاعة محمَّد ( ﷺ ) بإذن الله، قال تعالى :( ولا يشفعون إلا لمن ارتضى ( ( الأنبياء : ٢٨ ). والمقصود من ذلك نفي الشفاعة لآلهتهم من حيث إنهم شركاء لله في الإلهية، فشفاعتهم عنده نافذة كشفاعة الند عند نده. والشفاعة تقدمت عند قوله تعالى :( ولا يقبل منها شفاعة في سورة البقرة ( ٤٨ ). وكذلك الشفيع تقدم عند قوله : فهل لنا من شفعاء في سورة الأعراف ( ٥٣ ).
وموقع جملة : ما من شفيع ( مثل موقع جمله :( يدبر الأمر ).
وجملة :( ذلكم الله ربكم ( ابتدائية فذلكةٌ للجمل التي قبلها ونتيجة لها، وهي معترضة بين تلك الجمل وبين الجملة المفرعَة عليها، وهي جملة :( فاعبدوه (، وتأكيد لمضمون الجملة الأصلية وهي جملة :( إن ربكم الله ).
والإتيان في صدرها باسم الإشارة لتمييزه أكمل تمييز، لأنهم امتروا في صفة الإلهية وضلوا فيها ضلالاً مبيناً، فكانوا أحرياء بالإيقاظ بطريق اسم الإشارة، وللتنبيه على أن المشار إليه حقيق بما سيذكر بعد اسم الإشارة من حيث إنه اتصف بتلك الأوصاف التي أشير إليه من أجلها، فإن خالق العوالم بغاية الإتقان والمقدرة ومالك أمرها ومدبر شؤونها والمتصرفَ المطلق مستحقٌ


الصفحة التالية
Icon