" صفحة رقم ٩١ "
إليه وهو مفاد وعد الله، ويقدر له عامل محذوف لأن الجملة المؤكدة لا تصلح للعمل فيه. والتقدير : وعدَكم اللّهُ وعداً حقاً.
وانتصب ) حقاً ( على المفعولية المطلقة المؤكدة لمضمون جملة ) وعد الله ( باعتبار الفعل المحذوف. ويسمى في اصطلاح النحاة مؤكداً لغيره، أي موكداً لأحد معنيين تحتملهما الجملة المؤكدة.
وجملة :( إنه يبدأ الخلق ( واقعة موقع الدليل على وقوع البعث وإمكانه بأنه قد ابتدأ خلق الناس، وابتداء خلقهم يدل على إمكان إعادة خلقهم بعد العدم، وثبوت إمكانه يدفع تكذيب المشركين به، فكان إمكانه دليلاً لقوله :( إليه مرجعكم جميعاً (، وكان الاستدلال على إمكانه حاصلاً من تقديم التذكير ببدء خلق السماوات والأرض كقوله تعالى :( وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه ( ( الروم : ٢٧ ).
وموقع ( إن ) تأكيد الخبر نظراً لإنكارهم البعث، فحصل التأكيد من قوله :( ثم يعيده ( أما كونه بدأ الخلق فلا ينكرونه.
وقرأ الجمهور ) إنه يبدأ الخلق ( بكسر همزة ( إنه ). وقرأه أبو جعفر بفتح الهمزة على تقدير لام التعليل محذوفة، أي حق وعده بالبعث لأنه يبدأ الخلق ثم يعيده فلا تعجزه الإعادة بعد الخلق الأول، أو المصدر مفعول مطلق منصوب بما نصب به ) وعْدَ الله ( أي وَعَدَ الله وعداً بَدْءَ الخلق ثم إعادته فيكون بدلاً من ) وعْد الله ( بدلاً مطابقاً أو عطف بيان.
ويجوز أن يكون المصدر المنسبك من ( أنَّ ) وما بعدها مرفوعاً بالفعل المقدر الذي انتصب ( حقاً ) بإضماره. فالتقدير : حَقَّ حقاً أنه يبدأ الخلق، أي حق بدؤه الخلق ثم إعادته.
والتعليل بقوله :( ليجزى الذين آمنوا ( الخ إبداءٌ لحكمة البعث وهي الجزاء على الأعمال المقترفة في الحياة الدنيا، إذ لو أرسل الناس على أعمالهم بغير جزاء على الحسن والقبيح لاستوى المُحسن والمسيء، وربما كان بعضُ المسيئين في هذه الدنيا أحسن فيها حالاً