" صفحة رقم ٩٤ "
والقمر على صورتهما وتقدير تنقلاتهما تقديراً مضبوطاً ألهم الله البشر للانتفاع به في شؤون كثيرة من شؤون حياتهم.
فجَعْلُ الشمسسِ ضياء لانتفاع الناس بضيائها في مشاهدة ما تهمهم مشاهدته بما به قوام أعمال حياتهم في أوقات أشغالهم. وجَعْل القمر نوراً للانتفاع بنوره انتفاعاً مناسباً للحاجة التي قد تعرض إلى طلب رؤية الأشياء في وقت الظلمة وهو الليل. ولذلك جُعل نوره أضعف ليُنتفع به بقدر ضرورة المنتفع، فمن لم يضطرَّ إلى الانتفاع به لا يشعرُ بنوره ولا يصرفه ذلك عن سكونه الذي جُعل ظلام الليل لحصوله، ولو جعلت الشمس دائمة الظهور للناس لاستووا في استدامة الانتفاع بضيائها فيشغلهم ذلك عن السكون الذي يستجدون به ما فتر من قواهم العصبية التي بها نشاطُهم وكمالُ حياتهم.
والضياء : النور الساطع القوي، لأنه يضيء للرائي. وهو اسم مشتق من الضوء، وهو النور الذي يوضح الأشياء، فالضياء أقوى من الضوء. ويَاء ( ضياء ) منقلبة عن الواو لوقوع الواو إثر كَسرة الضاد فقلبت ياء للتخفيف.
والنور : الشعاع، وهو مشتق من اسم النار، وهو أعم من الضياء، يصدق على الشعاع الضعيف والشعاع القوي، فضياء الشمس نور، ونور القمر ليس بضياء. هذا هو الأصل في إطلاق هذه الأسماء، ولكن يكثر في كلام العرب إطلاق بعض هذه الكلمات في موضع بعض آخر بحيث يَعسر انضباطه. ولما جعل النور في مقابلة الضياء تعين أن المراد به نورٌ مَّا.
وقوله :( ضياء ( و ) نوراً ( حالان مشيران إلى الحكمة والنعمة في خلقهما. والتقدير : جعل الأشياء على مِقدار عنْد صُنعها.
والضمير المنصوب في ( قَدَّره ) : إما عائد إلى النور فتكون المنازل بمعنى المراتب، وهي مراتب نور القمر في القوة والضعف التابعة لما يظهر للناس نيراً من كُرة القمر، كما في قوله تعالى :( والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعُرجون القديم ( ( يس : ٣٩ ). أي حتى نقص نوره


الصفحة التالية
Icon