" صفحة رقم ٩٧ "
في قوله :( ما خلق الله ذلك إلا بالحق ). فعلى قراءة نفصل بالنون وهي لنافع والجمهور ورواية عن ابن كثير ففي ضمير صاحب الحال التفات، وعلى قراءة ) يفصل ( بالتحتية وهي لابن كثير في المشهور عنه وأبي عمرو وابن عامر ويعقوب أمرها ظاهر.
والتفصيل : التبيين، لأن التبيين يأتي على فصول الشيء كلها. وقد تقدم عند قوله تعالى :( وكذلك نفصل الآيات ولتستبين سبيل المجرمين ( في سورة الأنعام ( ٥٥ ). والإتيان بالفعل المضارع لإفادة التكرار.
وجعل التفصيل لأجل قوم يعلمون، أي الذين من شأنهم العلم لما يؤذن به المضارع من تجدد العِلم، وإنما يتجدد لمن هو ديدنه ودَأبه، فإن العلماء أهل العقول الراجحة هم أهل الانتفاع بالأدلة والبراهين.
وذكر لفظ ( قوم ) إيماء إلى أنهم رسخ فيهم وصف العلم، فكان من مقومات قوميتهم كما تقدم في قوله :( لآيات لقوم يعقلون في سورة البقرة ( ١٦٤ ). وفي هذا تعريض بأن الذين لم ينتفعوا بتفصيل الآيات ليسوا من الذين يعلمون ولا ممن رسخ فيهم العلم.
٦ ) إِنَّ فِى اخْتِلَافِ الَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ فِى السَّمَاوَاتِ وَالاَْرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَّقُونَ (
استدلال آخر على انفراد الله تعالى بالخلق والتقدير. وهو استدلال بأحوال الضوء والظلمة وتعاقب الليل والنهار وفي ذلك عبرة عظيمة. وهو بما فيه من عطف قوله :( وما خلق الله في السماوات والأرض ( أعم من الدليل الأول لشموله ما هو أكثر من خلق الشمس والقمر ومن خلق الليل والنهار ومن كل ما في الأرض والسماء مما تبلغ إليه معرفة الناس في مختلف العصور وعلى تفاوت مقادير الاستدلال من عقولهم.
وتأكيد هذا الاستدلال بحرف ) إنَّ ( لأجل تنزيل المخاطبين به الذين لم يهتدوا بتلك الدلائل إلى التوحيد منزلة من ينكر أن في ذلك آيات على الوحدانية بعدم جريهم على موجب العلم.


الصفحة التالية
Icon