" صفحة رقم ٢٠٣ "
وتقديم الضمير على الخبر الفعليّ يفيد الاختصاص، أي نحن نقصّ لا غيرُنا، ردّاً على من يطعن من المشركين في القرآن بقولهم :( إنّما يعلمه بشرٌ ( سورة النحل : ١٠٣ ) وقولهم : أساطير الأولين اكتتبها ( سورة الفرقان : ٥ ) وقولهم : يُعلمه رجل من أهل اليمامة اسمه الرّحمان. وقول النضر بن الحارث المتقدّم ديباجة تفسير هذه السورة.
وفي هذا الاختصاص توافُق بين جملة البدل والجملة المبدل منها في تأكيد كون القرآن من عند الله المفاد بقوله : إنّا أنزلناه قرآناً عربيّاً ( سورة يوسف : ٢ ).
ومعنى نَقُصُّ ( نخبر الأخبار السّالفة. وهو منقول من قَصّ الأثر إذا تتبّع مواقع الأقدام ليتعرّف منتهى سير صاحبها. ومصدره : القصّ بالإدغام، والقصص بالفكّ. قال تعالى :( فارتدّا على آثارهما قصصاً ( سورة الكهف : ٦٤ ). وذلك أنّ حكاية أخبار الماضين تشبه اتّبَاعَ خطاهم، ألاَ ترى أنّهم سمّوا الأعمال سِيرة وهي في الأصل هيئة السّير، وقالوا : سار فلان سِيرة فلان، أي فعل مثل فعله، وقد فرّقوا بين هذا الإطلاق المجازي وبين قصّ الأثر فخصّوا المجازي بالصّدر المفكّك وغلبوا المصدر المدغم على المعنى الحقيقيّ مع بقاء المصدر المفكك أيضاً كما في قوله : فارتدّا على آثارهما قَصصاً ).
ف ) أحسن القصص ( هنا إمّا مفعول مطلق مبيّن لنوع فعله، وإمّا أن يكون القصص بمعنى المفعول من إطلاق المصدر وإرادة المفعول، كالخلق بمعنى المخلوق، وهو إطلاق للقصص شائع أيضاً. قال تعالى :( لقد كان في قصصهم عبرةٌ لأولي الألباب ( سورة يوسف : ١١١ ). وقد يكون وزن فَعْل بمعنى المفعول كالنّبأ والخبر بمعنى المنبّأ به والمخبّر به، ومثله الحَسب والنقَض.
وجعل هذا القَصص أحسن القصص لأنّ بعض القصص لا يخلو عن حسن ترتاح له النفوس. وقصص القرآن أحسن من قصص غيره من جهة حسن نظمه وإعجاز أسلوبه وبما يتضمّنه من العبر والحكم، فكلّ قصص في القرآن هو أحسن القصص في بابه، وكلّ قصة في القرآن هي أحسن من كلّ ما يقصّه


الصفحة التالية
Icon