" صفحة رقم ٢١١ "
( الرؤيا الصالحة من الرّجل الصالح جزء من ستّة وأربعين جزءاً من النبوءة ). وقد بُيّن تحديد هذه النسبة الواقعة في الحديث في شروح الحديث. وقال :( لم يبق من النبوءة إلاّ المبشّرات وهي الرؤيا الصّالحة للرجل الصالح يراها أو ترى له ).
وإنّما شرطت المرائي الصادقة بالنّاس الصّالحين لأنّ الارتياض على الأعمال الصّالحة شاغل للنفس عن السيّئات، ولأنّ الأعمال الصّالحات ارتقاءات وكمالات فهي معينة لجوهر النفس على الاتّصال بعالَمها الذي خلقت فيه وأنزلت منه، وبعكس ذلك الأعمال السيّئة تبعدها عن مألوفاتها وتبلدها وتذبذبها.
والرؤيا مراتب :
منها أن : ترى صور أفعال تتحقّق أمثالها في الوجود مثل رؤيا النبي ( ﷺ ) أنه يهاجر من مكّة إلى أرض ذات نخل، وظنّه أنّ تلك الأرض اليمامة فظهر أنّها المدينة، ولا شك أنّه لمّا رأى المدينة وجَدَها مطابقة للصّورة التي رآها، ومثل رؤياه امرأة في سَرَقَة من حرير فقيل له اكشِفْها فهي زوجك فكشف فإذا هي عائشة، فعلم أن سيتزوجها. وهذا النوع نادر وحالة الكشف فيه قوية.
ومنها أن ترى صُورٌ تكون رموزاً للحقائق التي ستحصل أو التي حصلت في الواقع، وتلك من قبيل مكاشفة النفس للمعاني والمواهي وتشكيل المخيّلة تلك الحقائق في أشكال محسوسة هي من مظاهر تلك المعاني، وهو ضرب من ضروب التشبيه والتمثيل الذي تخترعه ألباب الخطباء والشعراء، إلاّ أنّ هذا تخترعه الألباب في حالة هدوّ الدمَاغ من الشواغل الشاغلة، فيكون أتقن وأصدق. وهذا أكثر أنواع المرائي. ومنه رؤيا النبي ( ﷺ ) أنّه يشرب من قدح لَبن حتى رأى الريّ في أظفاره ثم أعطَى فضلَه عمرَ بن الخطّاب رضي الله عنه. وتعبيره ذلك بأنّه العلم.


الصفحة التالية
Icon