" صفحة رقم ٢٢٣ "
غَناء جمَل كثيرة من بيان العلل والفوائد، كما قال الحريري في المقامة الحادية عشرة ( فلما دَفنوا الميْت، وفات قول ليت، أشرف شيخٌ من رِباوة، متأبّطاً لهراوة، فقال لمثل هذا فليعمل العاملون ). وانهلّ في الخطب.
والأمر مستعمل في الإرشاد. وأرادوا ارتكاب شيء يفرّق بين يوسف وأبيه عليهما السّلام تفرقة لا يحاول من جَرّائِهَا اقتراباً بأن يعدموه أو ينقلوه إلى أرض أخرى فيهلك أو يفْتَرَس.
وهذه آية من عبر الأخلاق السيّئة وهي التّخلّص من مزاحمة الفاضل بفضله لمن هو دونه فيه أو مساويه بإعدام صاحب الفضل وهي أكبر جريمة لاشتمالها على الحسد، والإضرار بالغير، وانتهاك ما أمر الله بحفظه، وهم قد كانوا أهل دين ومن بيت نبوءة وقد أصلح الله حالهم من بعد وأثنى عليهم وسمّاهم الأسباط.
وانتصب ) أرضاً ( على تضمين ) اطْرَحوه ( معنى أوْدعوه، أو على نزع الخافض، أو على تشبيهه بالمفعول فيه لأنّ ) أرضاً ( اسم مكان فلما كان غيرَ محدود وزاد إبهاماً بالتّنكير عومِلَ معاملة أسماء الجهات، وهذا أضعف الوجوه. وقد علم أنّ المراد أرض مجهولة لأبيه.
وجَزم ) يَخْلُ ( في جواب الأمر، أي إنْ فعلتم ذلك يخلُ لكم وجه أبيكم.
والخلوّ : حقيقته الفراغ. وهو مستعمل هنا مجازاً في عدم التوجّه لمن لا يرغبون توجّهه له، فكأنّ الوجه خلا من أشياء كانت حالة فيه.
واللاّم في قوله ) لكم ( لام العلة، أي يخل وجه أبيكم لأجلكم، بمعنى أنّه يخلو ممّن عداكم فينفرد لكم.


الصفحة التالية
Icon