" صفحة رقم ٢٢٦ "
القائل من إلقاء يوسف عليه السّلام في غيابة جبّ هو أمثل ممّا أشار به الآخرون من قتله أو تركه بفيفاء مهلكة لأنّه يحصل به إبعاد يوسف عليه السّلام عن أبيه إبعاداً لا يرجى بعدَه تلاقيهما دون إلحاق ضرّ الإعدام بيوسف عليه السّلام ؛ فإنّ التقاط السيّارة إياه أبقى له وأدخل في الغرض من المقصود لهم وهو إبعاده، لأنّه إذا التقطه السيّارة أخذوه عندهم أو باعوه فزاد بعداً على بعد.
والالتقاط : تناول شيء من الأرض أو الطريق، واستعير لأخذ شيء مضاع.
والسيّارة : الجماعة الموصوفة بحالة السّير وكثرته، فتأنيثه لتأويله بالجماعة التي تسير مثل الفلاّحة والبَحّارة.
والتعريف فيه تعريف العهد الذهني لأنّهم علموا أنّ الطريق لا تخلو من قوافل بين الشام ومصر للتّجارة والميرة.
وجملة ) إن كنتم فاعلين ( شرط حذف جوابه لدلالة ) وألقوه (، أي إن كنتم فاعلين إبعاده عن أبيه فألْقوه في غيابات الجبّ ولا تقتلوه.
وفيه تعريض بزيادة التريّث فيما أضمروه لعلّهم يرون الرجوع عنه أولى من تنفيذه، ولذلك جاء في شرطه بحرف الشرط وهو ) إنْ ( إيماء إلى أنّه لا ينبغي الجزم به، فكَانَ هذا القائل أمثل الإخوة رأياً وأقربهم إلى التّقوى، وقد علموا أنّ السيّارة يقصدون إلى جميع الجباب للاستقاء، لأنّها كانت محتفرة على مسافات مراحل السفر. وفي هذا الرأي عبرة في الاقتصاد من الانتقام والاكتفاء بما يحصل به الغرض دون إفراط.


الصفحة التالية
Icon