" صفحة رقم ٢٤٠ "
فقالت : لم أعرفك يا رسول الله، فقال :( إنما الصبر عند الصدمة الأولى ) أي الصبر الكامل.
وقوله :( والله المستعان على ما تصفون ( عطف على جملة ) فصبر جميل ( فتكون محتملة للمعنيين المذكورين من إنشاء الاستعانة أو الإخبار بحصول استعانته بالله على تحمل الصبر على ذلك، أو أراد الاستعانة بالله ليوسف عليه السّلام على الخلاص مما أحاط به.
والتعبير عما أصاب يوسف عليه السّلام ب ) ما تصفون ( في غاية البلاغة لأنه كان واثقاً بأنهم كاذبون في الصفة وواثقاً بأنهم ألحقوا بيوسف عليه السّلام ضراً فلما لم يتعيّن عنده المصاب أجمل التعبير عنه إجمالاً موجهاً لأنهم يحسبون أن ما يصفونه هو موته بأكل الذئب إياه ويعقوب عليه السّلام يريد أن ما يصفونه هو المصاب الواقع الذي وصفوه وصفاً كاذباً. فهو قريب من قوله تعالى :( سبحان ربك رب العزة عما يصفون ( سورة الصافات : ١٨٠ ).
وإنما فوض يعقوب عليه السّلام الأمر إلى الله ولم يسْعَ للكشف عن مصير يوسف عليه السّلام لأنه علم تعذر ذلك عليه لكبر سنه، ولأنه لا عضد له يستعين به على أبنائه أولئك. وقد صاروا هم الساعين في البعد بيْنه وبين يوسف عليه السّلام، فأيس من استطاعة الكشف عن يوسف عليه السّلام بدونهم، ألا ترى أنه لما وجد منهم فرصة قال لهم : اذهبوا فتحسّسوا من يوسف وأخيه ( سورة يوسف : ٨٧ ).