" صفحة رقم ٢٥٧ "
ورددت يوسف عليه السّلام بين صنفين من العقاب، وهما : السجن، أي الحبس. وكان الحبس عقاباً قديماً في ذلك العصر، واستمر إلى زمن موسى عليه السّلام، فقد قال فرعون لموسى عليه السّلام :( لئن اتخذت إلهاً غيري لأجعلنك من المسجونين ( سورة الشعراء : ٢٩ ).
وأما العذاب فهو أنواع، وهو عقاب أقدمُ في اصطلاح البشر. ومنه الضرب والإيلام بالنار وبقطع الأعضاء. وسيأتي ذكر السجن في هذه السورة مراراً.
وجملة قال هي راودتني عن نفسي ( من قول يوسف عليه السّلام، وفصلت لأنها جاءت على طريقة المحاورة مع كلامها. ومخالفة التعبير بين ) أن يسجن أو عذابٌ ( دون أن يقول : إلا السجنُ أو عذاب، لأن لفظ السجن يطلق على البيت الذي يوضع فيه المسجون ويطلق على مصدر سجن، فقوله :( أن يسجن ( أوضح في تسلط معنى الفعل عليه.
وتقديم المبتدأ على خبره الذي هو فعل يفيد القصر، وهو قصر قلب للرد عليها. وكان مع العزيز رجل من أهل امرأته، وهو الذي شهد وكان فطناً عارفاً بوجوه الدلالة.
وسمي قوله شهادة لأنه يؤول إلى إظهار الحق في إثبات اعتداء يوسف عليه السّلام على سيدته أو دحضه. وهذا من القضاء بالقرينة البينة لأنها لو كانت أمسكت ثوبه لأجل القبض عليه لعقابه لكان ذلك في حال استقباله له إياها فإذا أراد الانفلات منها تخرق قميصه من قُبُل، وبالعكس إن كان إمساكه في حال فرار وإعراض. ولا شك أن الاستدلال بكيفية تمزيق القميص نشأ عن ذكر امرأة العزيز وقوع تمزيق القميص تحاول أن تجعله حجة على أنها أمسكته لتعاقبه، ولولا ذلك ما خطر ببال الشاهد أن تمزيقاً وقع وإلا فمن أين علم الشاهد تمزيق القميص. والظاهر أن الشاهد كان يظن صدقها فأراد أن يقيم دليلاً على صدقها فوقع عكس ذلك كرامة ليوسف عليه السّلام.