" صفحة رقم ٢٧٢ "
حصول هذا العلم، فأخبر بأن سبب عناية الله به أنّه انفرد في ذلك المكان بتوحيد الله وترك ملة أهل المدينة، فأراد الله اختياره لديهم، ويجوز كون الجملة تعليلاً.
والملة : الدين، تقدم في قوله :( ديناً قيماً ملة إبراهيم حنيفاً ( في سورة الأنعام ( ١٦١ ).
وأراد بالقوم الذين لا يؤمنون بالله ما يشمل الكنعانيين الذين نشأ فيهم والقبط الذين شبّ بينهم، كما يدلّ عليه قوله :( ما تعبدون من دونه إلا أسماء سميتموها ( سورة يوسف : ٣٩ )، أو أراد الكنعانيين خاصة، وهم الذين نشأ فيهم تعريضاً بالقبط الذين ماثلوهم في الإشراك. وأراد بهذا أن لا يواجههم بالتشنيع استنزالاً لطائر نفورهم من موعظته.
وزيادة ضمير الفصل في قوله : هم كافرون ( أراد به تخصيص قوم منهم بذلك وهم الكنعانيون، لأنهم كانوا ينكرون البعث مثل كفار العرب. وأراد بذلك إخراج القبط لأن القبط وإن كانوا مشركين فقد كانوا يثبتون بعث الأرواح والجزاء.
والترك : عدم الأخذ للشيء مع إمكانه. أشار به إلى أنه لم يتبع ملة القبط مع حلوله بينهم، وكون مولاه متديناً بها.
وذكر آباءه تعليماً بفضلهم، وإظهاراً لسابقية الصلاح فيه، وأنه متسلسل من آبائه، وقد عقله من أول نشأته ثم تأيد بما علّمه ربّه فحصل له بذلك الشرف العظامي والشرف العصامي. ولذلك قال النبي ( ﷺ ) لما سئل عن أكرم الناس :( يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم نبيء ابن نبيء ابن نبيء ابن نبيء ). ومثل هذه السلسلة في النبوءة لم يجتمع لأحد غير يوسف عليه السّلام إذا كان المراد بالنبوءة أكملها وهو الرسالة، أو إذا كان إخوة يوسف عليه السّلام غير أنبياء على رأي فريق من العلماء.


الصفحة التالية
Icon