" صفحة رقم ٢٨٣ "
فلما ظهر عَوْصُ تعبير هذا الحُلم تذكر سَاقي الملك ما جرى له مع يوسف عليه السّلام فقال :( أنا أنبئكم بتأويله ).
وابتداء كلامه بضميره وجعله مسنداً إليه وخبره فعلي لقصد استجلاب تعجب الملك من أن يكون الساقي ينبىء بتأويل رؤيا عَوِصَتْ على علماء بلاط الملك، مع إفادة تقوّي الحكم، وهو إنباؤه إياهم بتأويلها، لأن تقديم المسند إليه على الخبر الفعلي في سياق الإثبات يفيد التقوّي، وإسناد الإنباء إليه مجاز عقلي لأنه سبب الإنباء، ولذلك قال :( فأرْسِلُون ). وفي ذلك ما يستفز الملك إلى أن يأذن له بالذهاب إلى حيث يريد ليأتي بنبأ التأويل إذ لا يجوز لمثله أن يغادر مجلس الملك دون إذن. وقد كان موقناً بأنه يجد يوسف عليه السّلام في السجن لأنه قال :( أنا أنبئكم بتأويله ( دون تردد. ولعل سبب يقينه ببقاء يوسف عليه السّلام في السجن أنه كان سجنَ الخاصة فكان ما يحدث فيه من إطلاق أو موت يبلغ مسامع الملك وشيعته.
و ) ادّكر ( بالدال المهملة أصله : اذتكر، وهو افتعال من الذكر، قلبت تاء الافتعال دالاً لثقلها ولتقارب مخرجيهما ثم قلبت الذال ليتأتّى ادغامها في الدال لأن الدال أخف من الذال. وهذا أفصح الإبدال في ادّكر. وهو قراءة النبي ( ﷺ ) في قوله تعالى :( فهل من مدّكر ( سورة القمر : ١٥ ) كما في الصحيح.
ومعنى بعد أمة ( بعد زمن مضى على نسيانه وصاية يوسف عليه السّلام. والأمة : أطلقت هنا على المدة الطويلة، وأصل إطلاق الأمة على المدة الطويلة هو أنها زمن ينقرض في مثله جيل، والجيل يسمى أمة، كما في قوله تعالى :( كنتم خير أمةٍ أخرجت للناس ( سورة آل عمران : ١١٠ ) على قول من حمله على الصحابة.
وإطلاقه في هذه الآية مبالغة في زمن نسيان الساقي. وفي التوراة كانت مدة نسيانه سنتين.
وضمائر جمع المخاطب في أنبئكم ( ) فأرسلون ( مخاطب بها الملك على وجه التعظيم كقوله تعالى :( قال رب ارجعون ( سورة المؤمنون : ٩٩ ).


الصفحة التالية
Icon