" صفحة رقم ٢٨٤ "
ولم يسمّ لهم المرسل إليه لأنه أراد أن يفاجئهم بخبر يوسف عليه السّلام بعد حصول تعبيره ليكون أوقع، إذ ليس مثله مظنة أن يكون بين المساجين.
٤٦ ) يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِى سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَّعَلِّى أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ ).
الخطاب بالنداء مؤذن بقول محذوف في الكلام، وأنه من قول الذي نجا وادكر بعد أمة. وحُذف من الكلام ذكر إرساله ومشيه ووصوله، إذ لا غرض فيه من القصة. وهذا من بديع الإيجاز.
و ) الصدّيق ( أصله صفةُ مبالغة مشتقة من الصّدْق، كما تقدم عند قوله تعالى :( وأمه صدّيقةٌ ( في سورة العقود ( ٧٥ )، وغلب استعمال وصف الصدّيق استعمال اللقب الجامع لمعاني الكمال واستقامة السلوك في طاعة الله تعالى، لأن تلك المعاني لا تجتمع إلا لمن قوي صدقه في الوفاء بعهد الدين.
وأحسنُ ما رأيت في هذا المعنى كلمة الراغب الأصفهاني في مفردات القرآن قال :( الصديقون هم دُوَيْن الأنبياء ). وهذا ما يشهد به استعمال القرآن في آيات كثيرة مثل قوله :( فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصدّيقين ( سورة النساء : ٦٩ ) الآية، وقوله : وأمه صدّيقة ( سورة المائدة : ٧٥ ). ومنه ما لَقّب النبيءُ أبا بكر بالصدّيق في قوله في حديث رجف جبل أحُد أُسْكُنْ أُحُد فإنما عليك نبيء وصدّيق وشهيدان. من أجل ذلك أجمع أصحاب رسول الله ومنهم علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه على أن أبا بكر رضي الله عنه أفضل الأمة بعد النبي. وقد جَمع الله هذا الوصف مع صفة النبوءة في قوله : واذكر في الكتاب إدريس إنه كان صدّيقاً نبياً ( في سورة مريم ( ٥٦ ).


الصفحة التالية
Icon