" صفحة رقم ٢٨٧ "
وكان ما أشار به يوسف عليه السّلام على الملك من الادخار تمهيداً لشرع ادخار الأقوات للتموين، كما كان الوفاء في الكيل والميزان ابتداء دعوة شعيب عليه السّلام، وأشار إلى إبقاء ما فضل عن أقواتهم في سنبله ليكون أسلم له من إصابة السوس الذي يصيب الحب إذا تراكم بعضه على بعض فإذا كان في سنبله دفع عنه السوس، وأشار عليهم بتقليل ما يأكلون في سنوات الخصب لادخار ما فضل عن ذلك لزمن الشدة، فقال :( إلاّ قليلاً مما تأكلون ).
والشداد : وصف لسني الجدب، لأن الجدب حاصل فيها، فوصفها بالشدة على طريقة المجاز العقلي.
وأطلق الأكل في قوله :( يأكلن ( على الإفناء، كالذي في قوله :( ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم ( سورة النساء : ٢ ). وإسناده بهذا الإطلاق إلى السنين إسنادُ مجاز عقلي، لأنهن زمن وقوع الفناء.
والإحصان : الإحراز والادخار، أي الوضع في الحصن وهو المطمور. والمعنى : أن تلك السنين المجدبة يفنى فيها ما ادخر لها إلا قليلاً منه يبقى في الإهراء. وهذا تحريض على استكثار الادخار.
وأما قوله : ثم يأتي من بعد ذلك عام فيه يُغاث الناس ( فهو بشارة وإدخال المسرة والأمل بعد الكلام المؤيس، وهو من لازم انتهاء مدة الشدة، ومن سنن الله تعالى في حصول اليسر بعد العسر.
و ) يغاث ( معناه يعطون الغيث، وهو المطر. والعصر : عصر الأعناب خموراً. وتقدم آنفاً في قوله :( أعصر خمراً ( سورة يوسف : ٣٦ ).