" صفحة رقم ١٠٧ "
وذكر الواحدي والطبري أخباراً عن أنس وابن عباس رضي الله عنهما أن هذه الآية نزلت في قضية عامر بن الطفيل وأربد بن ربيعة حين وردا المدينة يشترطان لدخولهما في الإسلام شروطاً لم يقبلها منهما النبي. فهمّ أرْبَد بقتل النبي فصرفه الله، فخرج هو وعامر بن الطفيل قاصدين قومهما وتواعدا النبي بأن يجلبا عليه خيل بني عامر. فأهلك الله أربَد بصاعقة أصابته وأهلك عامراً بِغُدة نبتت في جسمه فمات منها وهو في بيت امرأة من بني سلول في طريقه إلى أرض قومه، فنزلت في أربد ويرسل الصواعق ( وفي عامر ) وهم يجادلون في الله ).
وذكر الطبري عن صحار العبدي : أنها نزلت في جبار آخر. وعن مجاهد : أنها نزلت في يهودي جادل في الله فأصابته صاعقة.
ولما كان عامر بن الطفيل إنما جاء المدينة بعد الهجرة وكان جدال اليهود لا يكون إلا بعد الهجرة أقدم أصحاب هذه الأخبار على القول بأن السورة مدنية أوْ أن هذه الآيات منها مدنية، وهي أخبار ترجع إلى قول بعض الناس بالرأي في أسباب النزول. ولم يثبت في ذلك خبر صحيح صريح فلا اعتداد بما قالوه فيها ولا يخرج السورة عن عداد السور المكية. وفي هذه القصة أرسل عامر بن الطفيل قوله :( أغُدّة كغدة البعير وموت في بيت سلولية ) مثلاً. ورثى لبيد بن ربيعة أخاه أربدَ بأبيات منها :
أخشى على أربد الحتوف ولا
أرهب نَوْء السِماك والأسد
فجّعَني الرعد والصواعق بالف
ارس يوم الكريهة النّجِدِ
) ) لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَىْءٍ إِلاَّ كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَآءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَآءُ الْكَافِرِينَ إِلاَّ فِى ضَلَالٍ (
استئناف ابتدائي بمنزلة النتيجة ونهوض المدلل عليه بالآيات السالفة التي هي براهين الانفراد بالخلق الأول، ثم الخلق الثاني، وبالقدرة التامة التي لا تدانيها قدرة قدير، وبالعلم العام، فلا جرم أن يكون صاحب تلك الصفات هو المعبود بالحق وأن عبادة غيره ضلال.
والدعوة : طلب الإقبال، وكثر إطلاقها على طلب الإقبال للنجدة أو للبذل. وذلك متعين فيها إذا أطلقت في جانب الله لاستحالة الإقبال الحقيقي فالمراد طلب الإغاثة أو النعمة.