" صفحة رقم ١٢٥ "
وقد ظهر بهذه الجملة كلها وبموقعها تفضيل الذين يعلمون أن ما أنزل حق بما لهم من صفات الكمال الموجبة للفضل في الدنيا وحسن المصير في الآخرة وبما لأضدادهم من ضد ذلك في قوله : والذين ينقضون عهد الله إلى قوله : ولهم سوء الدار ( سورة الرعد : ٢٥ ).
والوفاء بالعهد : أن يحقّق المرء ما عاهد على أن يعمله. ومعنى العهد : الوعد الموثّق بإظهار العزم على تحقيقه من يمين أو تأكيد.
ويجوز أن يكون الذين يوفون بعهد الله ( نعتاً لقوله :( أولوا الألباب ( وتكون جملة ) أولئك لهم عقبى الدار ( نعتاً ثانياً. والإتيان باسم الإشارة للغرض المذكور آنفاً.
وعهد الله مصدر مضاف لمفعوله، أي ما عاهدوا الله على فعله، أو من إضافة المصدر إلى فاعله، أي ما عهد الله به إليهم. وعلى كلا الوَجهين فالمراد به الإيمان الذي أخذه الله على الخلق المشار إليه بقوله :( وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذرياتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى، وتقدم في سورة الأعراف ( ١٧٢ )، فذلك عهدهم ربهم. وأيضاً بقوله : ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين وأن اعبدوني ( سورة يس : ٦٠ ٦١ )، وذلك عهد الله لهم بأن يعبدوه ولا يعبدوا غيره، فحصل العهد باعتبار إضافته إلى مفعوله وإلى فاعله.
وذلك أمر أودعه الله في فطرة البشر فنشأ عليه أصلهم وتقلّده ذريته، واستمر اعترافهم لله بأنه خالقهم. وذلك من آثار عهد الله. وطرأ عليهم بعد ذلك تحريف عهدهم فأخذوا يتناسون وتشتبه الأمور على بعضهم فطرأ عليهم الإشراك لتفريطهم النظر في دلائل التوحيد، ولأنه بذلك العهد قد أودع الله في فطرة العقول السليمة دلائل الوحدانية لمن تأمل وأسلم للدليل، ولكن المشركين أعرضوا وكابروا