" صفحة رقم ١٣٠ "
ويصدق بأن لا يقابل من فعل معه سيّئة بمثله بل يقابل ذلك بالإحسان، قال تعالى : ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم ( سورة فصلت : ٣٤ ) بأن يصل من قطعه ويعطي من حرمه ويعفو عمن ظلمه وذلك فيما بين الأفراد وكذلك بين الجماعات إذ لم يفض إلى استمرار الضر. قال تعالى في ذلك : إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم ( سورة الأنفال : ٣ ).
ويصدق بالعدول عن فعل السيئة بعد العزم فإن ذلك العدول حسنة دَرَأت السيّئة المعزوم عليه. قال النبي عليه الصلاة والسلام : من همّ بسيئة فلم يعملها كتبها الله له حسنة.
فقد جمع يدرءون ( جميعَ هذه المعاني ولهذا لم يعقب بما يقتضي أن المراد معاملة المُسيء بالإحسان كما أُتبع في قوله :( ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن في سورة فصلت ( ٣٤ ). وكما في قوله ادفع بالتي هي أحسن السيئة نحن أعلم بما يصفون في سورة المؤمنون ( ٩٦ ).
وجملة أولئك لهم عقبى الدار ( خبر عن ) الذين يوفون بعهد الله ). ودل اسم الإشارة على أن المشار إليهم جديرون بالحكم الوارد بعد اسم الإشارة لأجل ما وصف به المشار إليهم من الأوصاف، كما في قوله :( أولئك على هدى من ربهم في أول سورة البقرة ( ٥ ).
ولهم عقبى الدار ( جملة خبراً عن اسم الإشارة. وقدم المجرور على المبتدأ للدلالة على القصر، أي لهم عقبى الدار لا للمتصفين بإضداد صفاتهم، فهو قصر إضافي.
والعقبى : العاقبة، وهي الشيء الذي يعقُب، أي يقع عقب شيء آخر. وقد اشتهر استعمالها في آخرة الخير، قال تعالى :( والعاقبة للمتقين ( سورة القصص : ٨٣ ). ولذلك وقعت هنا في مقابلة ضدها في قوله : ولهم سوء الدار ( سورة غافر : ٥٢ ).
وأما قوله : وعقبى الكافرين النار ( سورة الرعد : ٣٥ ) فهو مشاكلة كما سيأتي في آخر السورة