" صفحة رقم ١٦٢ "
عليهما السلام ببيان أن الرسول لا يأتي بآيات إلاّ بإذن الله، وأن ذلك لا يكون عى مقترحات الأقوام، وذلك قوله :( وما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله (، فالجملة عطف على جملة ) وكذلك أنزلناه حكماً عربياً ( الرعد : ٣٧ ).
وأدمج في هذا الرد إزالة شبهة قد تعرض أو قد عرضت لبعض المشركين فيطعنون أو طعنوا في نبوءة محمد بأنه يتزوج النساء وأن شأن النبي أن لا يهتم بالنساء. قال البغوي : روي أن اليهود وقيل إن المشركين قالوا : إن هذا الرجل ليست له همة إلا في النساء اه. فتعين إن صحت الرواية في سبب النزول أن القائلين هم المشركون إذ هذه السورة مكية ولم يكن لليهود حديث مع أهل مكة ولا كان منهم في مكة أحد. وليس يلزم أن يكون هذا نازلاً على سبب. وقد تزوج رسول الله خديجة ثم سودة رضي الله عنهما في مكة فاحتمل أن المشركين قالوا قالةَ إنكار تعلقاً بأوهن أسباب الطعن في النبوءة. وهذه شبهة تعرض للسذج أو لأصحاب التمويه، وقد يموّه بها المبشرون من النصارى على ضعفاء الإيمان فيفضلون عيسى عليه السلام على محمد بأن عيسى لم يتزوج النساء. وهذا لا يروج على العقلاء لأن تلك بعض الحظوظ المباحة لا تقتضي تفضيلاً. وإنما التفاضل في كل عمل بمقادير الكمالات الداخلة في ذلك العمل. ولا يدري أحد الحكمة التي لأجلها لم يتزوج عيسى عليه السلام امرأةً. وقد كان يحيى عليه السلام حَصوراً فلعل عيسى عليه السلام قد كان مثله لأن الله لا يكلفه بما يشق عليه وبما لم يكلف به غيره من الأنبياء والرسل. وأما وصف الله يحيى عليه السلام بقوله : وحصوراً ( فليس مقصوداً منه أنه فضيلة ولكنه أعلم أباه زكرياء عليه السلام بأنه لا يكون له نسل ليعلم أن الله أجاب دعوته فوهب له يحيى عليه السلام كرامة له، ثم قدّر أنه لا يكون له نسل إنفاذاً لتقديره فجعل امرأته عاقراً. وقد تقدم بيان ذلك في تفسير سورة آل عمران. وقد