" صفحة رقم ١٨٦ "
وقد كان المتنصرون من العرب والمتهودون منهم مثل عرب اليمن تترجم لهم بعض التوراة والإنجيل بالعربية كما ورد في حديث ورقة بن نوفل في كتاب بدء الوحي من ( صحيح البخاري )، فاستقرّ في نفوس المشركين من جملة مطاعنهم أن القرآن لو كان من عند الله لكان باللغة التي جاءت بها الكتب السالفة. فصارت عربيته عندهم من وجوه الطعن في أنه منزل من الله، فالقصر هنا لرد كلامهم، أي ما أرسلنا من رسول بلسان إلا لسان قومه المرسل إليهم لا بلسان قوم آخرين.
فموقع هذه الآية عقب آية ) كتاب أنزلناه إليك ( بيّن المناسبة.
وتقدير النظم : كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور، وأنزلناه بلغة قومك لتبيّن لهم الذي أوحينا إليك وما أرسلنا من رسول إلاّ بلسان قومه ليبين لهم فيخرجهم من الظلمات إلى النور.
وإذا كانت صيغة القصر جارية على خلاف مقتضى الظاهر ولم يكن ردّاً لمقالة بعض المشركين يكُن تنزيلاً للمشركين منزلة من ليسوا بعرب لعدم تأثرهم بآيات القرآن، ولقولهم :( قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه ( وكان مناط القصر هو ما بعد لام العلّة. والمعنى : ما أرسلناك إلاّ لتبيين لهم وما أرسلنا من رسول إلا ليبين لقومه، وكان قوله :( إلا بلسان قومه ( إدْماجاً في الاستثناء المتسلط عليه القصرُ ؛ أو يكون متعلقاً بفعل ) ليبين ( مقدماً عليه. والتقدير : ما أرسلناك إلا لتبين لهم بلسانهم، وما أرسلنا من رسول إلا ليبين لقومه بلسانهم، فما لقومك لم يهتدوا بهذا القرآن وهو بلسانهم، وبذلك يتضح موقع التفريع في قوله :( فيضل الله من يشاء ويهدي من يشاء ).
واللسان : اللغة وما به التخاطب. أطلق عليها اللسان من إطلاق اسم المحل على الحال به، مثل : سَال الوادي.
والباء للملابسة، فلغة قومه ملابسة لِكلامه والكتاببِ المنزل إليه لإرشادهم.